للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسُمِّيَتْ "مِنًى" لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ إِرَاقَةِ الدَّمِ، يُقَالُ: مَنَى اللهُ عَلَيهِ بِكَذَا أَي: قَدَّرَهُ وَقضَاهُ. ويُقَالُ: لِلْقَضَاءِ: المَنَى بِفَتْحِ المِيمِ، ومِنْهُ المَنِيُّ؛ لأنَّ الله قَدَّرَ خَلْقَ الحَيَوَانِ مِنْهُ، ومنه التَّمَنّي؛ لأنَّه يُقَدِّرُ أُمُوْرًا يَطْمَعُ في كَوْنهَا.

واخْتُلِفَ في "عَرَفَةَ" لِمَ سُمِّيَتْ، فَقِيلَ: لاعْتِرَافِ النَّاسِ بذُنُوْبِهِمْ.

وَقِيلَ: بَلْ لِصَبْرِهِمْ على القِيَامِ والدُّعَاءِ، والعَارِفُ: الصَّابِرُ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ العَرْفِ وَهُوَ الطّيبُ، ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى: (١) {عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦)} أي: طَيّبهَا، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّ مِنًى تُنْحَرُ فِيهَا الإبِلُ فَتكثر فِيهَا الدِّمَاءُ وَالأقْذَارُ، وَعَرَفَةُ طيِّبة طَاهِرَةٌ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ. وَقِيلَ: بَلْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُوْنَ الطِّيبَ في المَوْسِمِ. وجَاءَ في الخَبَرِ أَنَّ آدَمُ أُهْبِطَ عَلَى جَبَلِ بالهِنْدِ يُقَالُ لَهُ: وَاشِمٌ (٢)، وقِيلَ: الرَّاهُوْنَ، وأُهْبِطَتْ حَوَّاءُ بِجُدَّةَ فَطَلَبَ آدَمُ حَوَّاءَ فاجْتَمَعَا بِمَكَانٍ آخَرَ فَسُمِّيَ جَمْعًا فَازْدَلَفَتْ إِلَيهِ؛ أَي تَقَرَّبَتْ فَسُمِّيَ المَكَانُ المُزْدَلِفَةَ، وتَعَارَفَا بِمَكَانٍ آخَرَ فَسُمِّيَ عَرَفَةَ، وَقَال ابنُ عَبَّاسِ: إِنّمَا تسَمَّى عَرَفَاتُ لأنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَقُوْلُ لإبْرَاهِيمَ: هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، وهَذَا مَوْضِعُ كَذَا، فَيقُوْلُ إِبْرَاهِيمُ: قَدْ عَرَفْتُ قَدْ عَرَفْتُ. وهَذَا القَوْلُ يتضَمَّنُ أَنّها إِنَّمَا جُمِعَتْ لِتكرِيرِهِ: قَدْ عَرَفْتُ قَدْ عَرَفْتُ.

أَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا: إِنَّمَا سُمِّيَتْ "مُزْدَلِفَة" لأنَّ النَّاسَ يَزْدَلِفُوْنَ فِيهَا، أَي: يَقْرُبُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لأنَّهُمْ يَقْرُبُوْنَ مِنْ مِنى، وَمَعْنَى ازْدَلَفَ:


(١) سورة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) معجم ما استعجم (١٣٦٤)، ومعجم البلدان (٥/ ٤٠٧)، وفيه (واسم) بالسين المهملة.
وذكر البكري في معجم ما استعجم "الراهون" (٦٣٠)، وياقوت في معجم البلدان (٢٤).