للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو قال: اتهم الأمير كل من في المدينة فضربهم، لم يدخل الأمير في التهمة والضرب.

قال: فكذلك قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (١) فإن صفاته سبحانه لا تدخل تحت الإِخبار الوارد في هذه الآية، وكل ما وقع الإِخبار به من نحو هذا لا تدخل فيه صفاته تعالى، وهذا معلوم من وضع اللسان فإن العرب لا تقصد ذلك ولا تنويه (٢). ومثله قوله تعالى:

{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (٣).

لم يقصد أنها تدمر السموات والأرضين والجبال .. وإنما المعنى أنها تدمر كل شيء مما مرت عليه ومما شأنها أنها تؤثر عليه في الجملة ولذلك قال:

{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} (٤).

يؤكد ذلك أنه لا يصح عند أهل العربية الاستثناء في مثل قول الرجل: "من دخل داري أكرمته إلا نفسي" أو "أكرمت الناس إلّا نفسي" أو"قاتلت الكفار إلا من لم ألق منهم" وإنما يصح الاستثناء لغير المتكلم من الداخلين أو المكرمين أو المقاتلين الذين يلاقيهم وهو الذي يتوهم دخوله إذا لم يستثن.

"هذا كلام العرب في التعميم فهو إذًا الجاري في عمومات الشرع" (٥).


(١) {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام: ١٠٢].
(٢) الموافقات ٣/ ١٧٢.
(٣) سورءة الأحقاف: آية ٢٥.
(٤) سورة الأحقاف: آية ٢٥ - والآية تدل على أن المساكن لم تدمر فالعموم إذًا عموم استعمالي.
(٥) الموافقات ٣/ ١٧٢ - ١٧٣.

<<  <   >  >>