للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إن الصحابةَ الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرًا عربٌ فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحًا لما أطلقوه. وقال ابن عبد البر (١): قال الكوفيون: الخمر من العنب؛ لقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} (٢). قال: فدَلَّ على أن الخمرَ هو ما يعتصر لا ما ينتبذ. قال: ولا دليل فيه على الحصر. وقال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم: كل مُسكرٍ خمر، وحُكْمُه حكم ما اتخذ من العنب. وقال القرطبي (٣): الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالفٌ لِلُغةِ العرب وللسُّنةِ الصحيحة وللصحابة؛ لأنهم لمَّا نزَل تحريمُ الخمرِ، فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريمَ كل ما يُسْكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما، وحرموا ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصِلوا ويتحققوا التحريمَ، ثم خطبة عمر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألَا إن الخمرَ قد حرمت، وهي من خمسة؛ من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل (٤). وعمر من أهل اللغةِ، وإن كان يحتمل أنه أرد أن هذا هو الذي تعلق به التحريم لا أنه المسمى في اللغة؛ لأنه بصددِ بيان الأحكام الشرعية، ولعل ذلك صار اسمًا شرعيًّا لهذا النوع فتكون حقيقة شرعية،


(١) التمهيد ١/ ٢٤٥، وينظر الفتح ١٠/ ٤٨.
(٢) الآية ٣٦ من سورة يوسف.
(٣) الفتح ١٠/ ٤٩.
(٤) البخاري ٨/ ٢٧٧ ح ٤٦١٩، ومسلم ٤/ ٢٣٢٢ ح ٣٠٣٢.