لو كان واجبًا لما خفف عن الحائض كغيره من سائر المناسك، والجواب أن التخفيف دليل الوجوب إذ لو كان غير واجب لما أطلق عليه لفظ التخفيف، ومن ودع ثالث النحر أجزأه إجماعًا إن نفر، ومذهب الهادوية والشافعي لا يجزئ التوديع يوم النحر لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فإنه آخر نسك في الحج" ولم يكن حينئذٍ آخر نسك ويلزم على هذا أن لا يصح في ثاني النحر.
وقال العثماني من أصحاب الشافعي: إنه يجزئ يوم النحر إذ هو مشروع للمفارقة وهذا قد فارق، والجواب أنه مشروع بعد استيفاء المناسك ولو بقي بعد أن طاف، واشتغل بشراء زاد أو صلاة جماعة لم يعده، وذهب عطاء إلى أنه يعيده، وقال الشافعي وأحمد إذا أقام بعده لتمريض أو نحوه أعاده، قلنا إن أقام أيامًا.
وقال أبو حنيفة: لا يعيد ولو أقام شهرين ولا يلزم المعتمر لفعل علي وابن عمر وعائشة. ولأن الدليل لم يرد إلا في الحاج، وقال الثوري يجب على المعتمر وإلا لزمه دم، وكذا لا يلزم من فسد حجه إذ شرع للمفارقة وهو يجب عليه العَوْد، وكذا المكي ومن ميقاته داره إذ هو للتوديع وهما مقيمان، وكذا من أراد الإقامة بمكة.
وقوله "إِلا أنه خفف على الحائض" فيه دلالة على عدم وجوبه عليها وأنه لا يجب الانتظار حتى تطهر ولا دمَ عليها إذ الظاهر أنه ساقط من أصله، وقد ذهب إلى هذا الجمهور من السلف والخلف، والخلاف مروي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت.
قال ابن المنذر: قال عامة فقهاء الأمصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع روينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه