ومن روى التمتع فقد أراد به التمتع اللغوي، فإنه انتفع بالعمرة وارتفق بها من دون إعادة إحرام، واحتج (أ) من فضَّل الإفراد بأنه صح ذلك من حديث جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة، وهؤلاء لهم مزية على غيرهم في معرفة ما فعله - صلى الله عليه وسلم - فأما جابر فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حجة الوداع فإنه ذكرها من حين خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى آخرها، فهو أضبط لها، وأما ابن عمر فصح عنه أنه كان آخذًا بخطام الناقة وأنكر هو على من رجح قول أنس على قوله، فقال:"كنت تحت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي لعابها أسمعه يلبي بالحج".
وأما عائشة فقربها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروف، وكذلك اطلاعها لفطنتها على باطن أمره وظاهره وفعله على خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظم فطنتها، وأما ابن عباس فمحله من الفقه والعلم والدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وحفظه أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لم يحفظها غيره وأخذه إياها من كبار الصحابة، وبأنه واظب على ذلك الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر وعثمان، وفعل عليّ اختلف لبيان جواز ذلك، وبأنه لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف ما عداه فيجب الدم للجبران، واحتج من فضل القرآن بأنه ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قرن، ورويت في ذلك بضعة وعشرون حديثًا كلها صحيحة من سبعة عشر صحابيًّا هم: عائشة وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان بإقراره لعليٍّ وتقرير على له وعمران بن الحصين والبراء بن عازب وحفصة أم المؤمنين وأبو قتادة وابن أبي أوفى وأبو طلحة والهرماس بن زياد وأم سلمة وسعد بن أبي وقاص وأنس مع أن حديث أنس أيضًا رواه ستة عشر نفسًا من الثقات كلهم متفقون عن