أشرفت على الجبل، ثم يعرض فيها إشكال في بعض مواضعها التي تتصرف فيها، فيظن الضعيف في هذه الصناعة أنها قد فارقت معناها.
فمن ذلك قول القائل: زرته على مرضى، وأعطيته على أن شتمني، وإنما جاز استعمال (على) هاهنا، لأن المرض من شأنه أن يمنع من الزيارة. وكذلك الشتم بمنع المشتوم من أن يعطى شاتمه شيئاً. والمنع قهر للممنوع، واستيلاء عليه، فهي إذن لم تخرج عن أصلها بأكثر من أن الشيء المعقول، شبه بالشيء المحسوس، فخفي ذلك على من لا دربة له في المجازات والاستعارات.
ويدل على دخول معنى الاستعلاء في هذا قولهم اجعل هذا الأمر تحت قدمك، فيستعملون فيه لفظة التحت. ومثل هذا قولهم: فلان أمير على البصرة. إنما المراد أنه قد ملكها، وصارت تحت حكمه ونظره. واستعمالهم لفظتي التحت والفوق هاهنا، يوضح ما قلناه. ألا تراهم يقولون: فلان تحت يد فلان، وتحت نظره وإشرافه، وهو فوقه في المنزلة والمكانة، وإن كان دونه في ما يحسس ويرى. وكذلك قولهم: تقولت عليه في ما لم يقل، إنما جازا استعمال (على) فيه، لأنه إذا نسب إليه القول، فقد حمله إياه، وعصبه به. والتحميل: راجع إلى معنى العلو، يدل على ذلك قولهم: هذا الأمر معصوب برأسه، ومقلد من عنقه. ويوضح ذلك قول الشاعر:
وما زلت محمولاً على ضغينة ... ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع
ألا تراه قد جعل الضغينة محمولة عليه، كما يحمل الشيء على