فيها: وله خبرة تامة بالرجال، وجرحهم وتعديلهم، وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه، الَّذي انفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه، وهو عجيب في استحضاره، واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب السِّتَّة والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تَيْمِيَّة فليس بحديث.
وقال: ولما كَانَ معتقلًا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز لأولاده، فكتب لهم في ذلك نحوًا من ست مئة سطر، منها سبعة أحاديث بأسانيدها، والكلام على صحتها ومعانيها، وبحث وعمل ما إذا نظر فيه المحدث خضع له في صناعة الحديث. وذكر أسانيده في عدة كتب. ونَبَّه على العوالي. عمل ذلك كله من حفظه، من غير أن يكون عنده ثَبَت أو من يراجعه.
ولقد كَانَ عجيبًا في معرفة علم الحديث. فأما حفظه متون الصحاح وغالب متون السنن والمسند: فما رأيت من يُدانيه في ذلك أصلًا.
قال: وأما التفسير فمسلم إليه. وله من استحضار الآيات من القرآن ــ وقت إقامة الدليل بها على المسألة ــ قوة عجيبة. وإذا رآه المقرئ تحيّر فيه. ولفرط إمامته في التفسير، وعظم اطلاعه، يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين، ويُوهي أقوالًا عديدة، وينصر قولًا واحدًا، موافقًا لما دل عليه القرآن والحديث. ويكتب في اليوم والليلة من التفسير، أو من الفقه، أو من الأصلين، أو من الرد على الفلاسفة والأوائل: نحوًا من أربعة كراريس أو أزيد.