تَذْكِرَةُ النَّبِيْهِ في أيام المنصورِ وبَنِيْهِ (١)
وفي ذي القَعْدة منها؛ توفّي شيخ الإسلام تقيّ الدِّين أبو العبّاس أحمد بن الشيخ شهاب الدين، أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين، أبي البركات عبد السَّلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحرَّاني الحنبلي، عن سبع وستين سنة، بقلعة دمشق المحروسة معتقلًا، وشيَّع جنازته خلق كثير أقلّ ما حُزِروا بستين ألفًا، كان تغمّده الله برحمته سحابًا يسحب ذيله على الطالب والوافد، وعُبابًا لا تكدره دِلاء الصّادر والوارد، وبحرًا زاخرًا في النَّقليات، وحبرًا متلفِّعًا بحبرات العقليات، وإمامًا في معرفة الكتاب والسُّنة، وهُمامًا لا يميل إلى حلاوة من المنة، ذا ورعٍ زائد، وزهد فَرْعه في روض الرِّضى مائد، وسخاء وشجاعة، وعزة وقناعة، وتصانيف مشهورة، وفتاوٍ أعلامها منشورة، ومعارف موادّها وافية، وإعراض عن الدنيا بالجملة الكافية، لا يكترِث بنضرتها وبهجة نضارها، ولا يلتفت إلى المنقوش من درهمها ودينارها، يصدع بالحقِّ، ويتكلَّم فيما جلَّ ودقَّ.
ويأْمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويثابر على إقامة الحقِّ والحدِّ، إن شكر وإن لم يُشكر، اجتمعت فيه شروط الاجتهاد، وبلغ من اجتناء ثمر أفنان الفنون غاية المراد.
وكان من العلوم بحيث يُقضى ... لَه في كُلِّ علمٍ بالجميع
(١) (١/ ١٨٥ - ١٨٨) طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب.