وصفه، ومن نابذه وخالفه؛ ينسبني إلى التغالي فيه، وليس الأمر كذلك. مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا! فإنه مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرٌ من البشر، تعتريه حدة في البحث، وغضب وشظف للخصم؛ تزرع له عداوة في النفوس، ونفورًا عنه.
لست أعني بعض العلماء الَّذين شعارهم وهجِّيراهم الاستخفاف به، والازدراء بفضله، والمقت له، حتَّى استجهلوه وكفّروه ونالوا منه، من غير أن ينظروا في تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف، والعالم منهم قد ينصفه ويرد عليه بعلم.
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران ــ رحم الله الجميع ــ.
وأنا أقلّ من أن ينبّه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي؛ فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه، مقرّون بسرعة فهمه، وأنَّه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، وأن جُوده حاتمي، وشجاعته خالدية.
ولكن قد يَنْقِمون عليه أخلاقًا وأفعالًا؛ منصفُهم فيها مأجور، ومقتصدهم فيها معذور، وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور. وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، والكمال للرسل، والحجة في الإجماع. فرحم الله امرأً تكلم في العلماء بعلم، أو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم، ثمَّ استغفر لهم، ووسَّع نطاق المعذرة، وإلّا؛ فهو لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري.