للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زمن العمل بالبدع، ظن الناس أنها سنة، مما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.

قلت: ومما قيل في هذا المعنى، مصراع: هو كفر كه كهنه شد مسلماني شد؟

قال: ولقد كان السلف يحثون الناس - لا سيما أصحابهم - على التقييد بالكتاب والسنة، واجتناب البدع، ويشددون في ذلك، حتى إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ربما كان يهم بالأمر، ويعزم عليه، فيقول له بعض الناس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك، ولم يأمر به، فيرجع عما كان عليه، وهَمَّ مرة أن يأمر الناس بنزع ثياب كانوا يلبسونها، حين بلغه أنها تصبغ ببول العجائز، فقال له شخص: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لبس منها، ولبسها الناس في عصره، فاستغفر الله تعالى، ورجع، وقال في نفسه: لو كان عدمُ لبسها من الورع، لما لبسها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى حاصله.

قلت: وسئل أبو بكر العياض: متى يُعلم الرجلُ أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا رجع علمه إلى كتاب الله، وسنة رسوله، أو إلى ما قال السلف الصالح، فهو على مذهب السنة والجماعة، وأما إذا كان منسوبًا إلى الجبائي، والكعبي، ونحوهما، فإنه ليس من أهل السنة والجماعة، هكذا في "فتاوى جواهر".

وقال الشعراني في كتابه "الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر"، في الباب العاشر والمئتين: من أراد أن يعرف بغض الحق أو محبته، فلينظر إلى حاله الذي هو عليه من اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والأئمة المهديين بعده، فإن وجد نفسه على هديهم وأخلاقهم؛ من فعلِ جميع المأمورات الشرعية، وتركِ جميع المنهيات البدعية، حتى صار يفرح بالبلايا والمحن وضيق العيش، وينشرح لتحويل الدنيا ومناصبها وشهوتها، فليعلم أن الله تعالى يحبه، وإلا، فليحكم بأن الله تعالى يبغضه، والإنسان على نفسه بصيرة، انتهى. ومن عينه نقلت. الحاصل: أن اتباع الكتاب والسنة هو المعيار لمعرفة الرجال، فإن الرجال تعرف بالحق، لا الحقُّ بالرجال، وهذه خصيصة شريفة خص الله تعالى

<<  <   >  >>