روى بقرطبة عن أبي القاسم خلف بن القاسم الحافظ، وعبد الوارث بن سفيان، وأبي سعيد نصر، وأبي محمد بن عبد المؤمن، وأبي عمرو الباجي، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي الوليد بن الفرضي، وغيرهم. وكتب إليه من أهل المشرق: أبو القاسم السقطي المكي، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، وأبو ذر الهروي، وأبو محمد النحاس المصري، وغيرهم.
قال القاضي أبو علي بن سكرة: سمعت شيخنا القاضي أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمرو بن عبد البر في الحديث، وقال الباجي أيضًا: أبو عمرو أحفظ أهل المغرب.
وقال أبو علي الغساني الأندلسي: إن ابن عبد البر أخذ كثيرًا من علم الأدب والحديث، ودأب في طلب العلم، وأفتى به، وبرع براعة فاق فيها مَنْ تقدمه من رجال الأندلس، وألف في "المؤطأ" كتبًا مفيدة، منها: كتاب "التمهيد لما في المؤطأ من المعاني والأسانيد"، ورتبه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءًا.
قال أبو محمد بن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثلَه، فكيف أحسن منه؟! ثم صنع كتاب "الاستدراك لمذاهب الأعصار فيما تضمنه المؤطأ من معاني الرأي والآثار"، شرح فيه المؤطأ على وجهه، ونسق أبوابه، وجمع في أسماء الصحابة - رضي الله عنهم - كتابًا مفيدًا جليلًا سماه "الاستيعاب"، وله كتاب "جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله"، وغير ذلك من تأليفه.
وكان موفقًا في التأليف، معانًا عليه، ونفع الله به، وكان - مع تقدمه في علم الآثر وبصره بالفقه ومعاني الحديث - له بسطةٌ كثيرة في علم النسب.
تولى قضاء الاشبونة، وشنترين في أيام ملكها المظفر بن الأفطس.
توفي يوم الجمعة آخر يوم من شهر ربيع الآخر سنة ٤٦٣ بمدينة شاطبة من شرق الأندلس، وولد يوم الجمعة - والإمام يخطب - لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٨، وتقدم في ترجمة الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت