للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باطلٌ" حال من الكذب، وهو الذي ذكره ابن رجب في شرح الكتاب، قال: هي جملة حاليّةٌ: أي حال كونه باطلًا، فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس، ويقول خيرًا، ويَنمِي خيرًا قال ابن شهاب: ولم أسمع يُرَخَّصُ في شيء مما يقول الناس كذب، إلا في ثلاث: الحربِ، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

قال: وروى أبو داود عن أبي أُمامة مرفوعًا: "أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنّة لمن ترك المراء، وإن كان مُحِقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسّن خلقه". وهذا يقتضي أن يُراد بـ "باطل" مازح بتقدير ذو باطل، وتُجعل الجملة حالًا من فاعل "ترك"، لا من مفعوله، وجعله حالًا من الفاعل هو الموافق لقرينه -أعني: وهو محقّ. بقي أن بين الحديثين تعارضًا، والظاهر أنه وقع من تغيير بعض الرواة. انتهى (١).

(بُنِيَ) بالبناء للمفعول (لَهُ قَصْرٌ) مرفوع على أنه نائب فاعل "بُني": أي بنى الله سبحانه وتعالى له بيتًا (في رَبَضِ الجَنَّةِ) بفتحتين: أي نواحيها، وجوانبها، لا في وسطها، وليس المراد خارجًا عن الجنّة كما قيل. قال القاريّ رحمه الله تعالى: وأما قول الشارح: هو ما حولها خارجًا عنها تشبيهًا بالأبنية التي حول المُدُن، وتحت القلاع، فهو صريح اللغة، لكنه غير صحيح المعنى، فإنه خلاف المنقول، ويؤدّي إلى المنزلة بين المنزلتين حسّا كما قاله المعتزلة معنًى، فالصواب أن المراد به أدناها كما يدلّ عليه قوله: (وَمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ) بكسر الميم والمدّ: أي الجدال خوفًا من أن يقع صاحبه في اللَّجَاج الموقع في الباطل (وَهُوَ مُحِقٌّ) في ذلك الجدال، فتركه كسرًا لنفسه، كيلا يرتفع على خصمه، وأن لا يظهر فضله عليه، فتواضع في ذلك مع كونه مُحِقّا فيه.


(١) "شرح السنديّ" ١/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>