للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مواريثهم. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ (١).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: مراد القاسم أن تغيير وصية الموصي إلى ما هو أحب إلى الله، وأنفع جائز، وقد حُكي هذا عن عطاء، وابن جريج. وربما يستدل بعض من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢]، ولعله أخذ هذا من جمع العتق، فإنه صحّ أن رجلًا أعتق ستة مماليك عند موته، فدعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجزّأهم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرق أربعة. أخرجه مسلم.

وذهب فقهاء الحديث إلى هذا الحديث؛ لأن تكميل عتق العبد مهما أمكن فهو أولى من تشقيصه، ولهذا شُرعت السراية والسعاية، إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من عبد، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيمن أعتق بعض عبده: "هذا هو عتيق كله ليس لله شريك" (٢).

وأكثر العلماء على خلاف قول القاسم، وأن وصية الموصي لا تُجمع، ويُتَّبع لفظه إلا في العتق خاصة؛ لأن المعنى الذي جُمع له فيه العتق موجود في بقية الأموال، فيعمل فيها بمقتضى وصية الموصي.

وذهب طائفة من الفقهاء في العتق على أنه يَعْتِق من كل عبد ثلثه، ويُستسعون في الباقي، واتباع قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أحق وأولي.

والقاسم نظر إلى أن في مشاركة الموصَى له للورثة في المساكن كلها ضررا عليهم، فَيُدفع عنهم هذا الضرر، ويجمع الوصية في مسكن واحد، فإن الله شرط في الوصية عدم المضارة؛ لقوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٢]، فمن ضار في وصيته كان عمله مردودا عليه؛ لمخالفته ما شرط الله تعالى في الوصية.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه القاسم رحمه الله تعالى هو الوجيه؛ لوضوح حجته. والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ٥/ ٦٤٢.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في"كتاب العتق" من "سننه" رقم (٣٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>