(بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ)
قَوْلُهُ تَعَالَى
[٢٥٧٧] (إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ تَقَدَّسْتُ عَنْهُ وَتَعَالَيْتُ وَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ يُجَاوِزُ سُبْحَانَهُ حَدًّا وَلَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مُلْكٍ وَالْعَالَمُ كُلُّهُ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأَصْلُ التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَسَمَّى تَقَدُّسَهُ عَنِ الظُّلْمِ تَحْرِيمًا لِمُشَابَهَتِهِ لِلْمَمْنُوعِ فِي أَصْلِ عَدَمِ الشئ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا تَتَظَالَمُوا وَالْمُرَادُ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَهَذَا تَوْكِيدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا عِبَادِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا وَزِيَادَةُ تَغْلِيظٍ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الضَّلَالِ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَصْفَهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ وَإِهْمَالِ النَّظَرِ لَضَلُّوا وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُهْتَدِيَ هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وبهدي اللَّهُ اهْتَدَى وَبِإِرَادَةِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute