للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَكَمَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ فِيهِ خِلَافٌ الْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ فَالَّذِينَ جَوَّزُوهُ قَالُوا لَا يُقَرُّ عَلَى إِمْضَائِهِ بَلْ يُعْلِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَيَتَدَارَكُهُ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ فَمَعْنَاهُ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ كَالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ فَهَذَا إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ لَا يُسَمَّى الْحُكْمُ خَطَأً بَلِ الْحُكْمُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ التَّكْلِيفُ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَاهِدَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالتَّقْصِيرُ مِنْهُمَا وَمِمَّنْ سَاعَدَهُمَا وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا عَيْبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الْبَاطِنَ وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ الْمَالُ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا وَإِنْ شَهِدَا بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَالِ فَقَالَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصحيح ولا جماع مَنْ قَبْلَهُ وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مَعْنَاهُ إِنْ قَضَيْتُ لَهُ بِظَاهِرٍ يُخَالِفُ الباطن فهو حرام يؤول بِهِ إِلَى النَّارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا) لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّخْيِيرَ بَلْ هُوَ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وكقوله سبحانه اعملوا ما شئتم قَوْلُهُ (سَمِعَ لَجَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ) هِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ جَلَبَةُ خَصْمٍ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْجَلَبَةُ وَاللَّجَبَةُ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَالْخَصْمُ هُنَا الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ) هَذَا التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>