للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: تكثير المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان. وهذا مدلول لاغتفار الغرر فيها. فلولا الحاجةُ إليها لما اغتفرت الشريعة فيها ما لم تغتفره في المعاملات المالية من الجانبين. وقد رجعتْ بذلك إلى قسم المصالح الحاجية. وقد أعطى الأنصارُ حوائطهم للمهاجرين على أن يَكْفُوهم العمل ولهم نصف الثمرة. وعاملَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يهودَ خيبر على أن عليهم عمل النخل، ولهم نصف الثمرة، مع العلم بأن أرض خيبر صارت للمسلمين لأنها فتحت عنوة (١).

وقد كاد أن يتفق علماء الإِسلام على مشروعية المساقاة والمزارعة (٢).


(١) أقرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود خيبر بقوله: "أقرّكم ما أقرّكم الله على أن الثمرة بيننا وبينكم". وهم أهل ذمّة ضربت عليهم الجزية. ابن رشد. المقدمات: ٢/ ٥٤٧، ٥٤٩؛ ابن الخوجه. الخراج والعشر: ٢٤.
(٢) المساقاة: مفاعلة من السقي. وهي أن يدفع الرجل كرمه أو حائط نخله أو شجر تينه أو زيتونه أو سائر مثمر شجره لمن يكفيه القيام بما يحتاج إليه من السقي والعمل على أن ما أطعم الله من ثمرها يكون بينهما نصفين أو على جزء معلوم من الثمرة. ولا تجوز إلا في أصول الثمار الثابتة. ابن عبد البر. الكافي: ٢/ ٧٦٦؛ التسولي. البهجة في شرح التحفة: (١) ٢/ ٢٨٦.
وهي رخصة مستثناة من كراء الأرض بما يخرج منها، ومن بيع الثمرة والإجارة بها، ومن الإجارة المجهولة، ومن بيع الغرر. التسولي. البهجة في شرح التحفة: (١) ٢/ ٢٨٦.
وعللوا استثناءها من الأصول الممنوعة لضرورة النّاس إلى ذلك وحاجتهم إليه, إذ لا يمكن للنّاس عمل حوائطهم بأيديهم. ابن رشد. المقدمات: ٢/ ٥٥٢.
ومن ثم قال مالك بجوازها. وكذا الشافعي وأحمد بن حنبل. ودليلهم على هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنه ساقى يهود خيبر على أن لهم نصفَ الثمرة بعملهم، وأقرّهم أبو بكر على ذلك ومن بعده عمر. وعمل من بعده عثمان =

<<  <  ج: ص:  >  >>