من تصرفات الشريعة التي دلّت على أن من أهم مقاصدها إبطالَ العبودية وتعميمَ الحرية. ولكن دأب الشريعة في رعي المصالح المشتركة وحفظ النظام وقف بها عن إبطال العبودية بوجه عام وتعويضها بالحرية، وإطلاق العبيد من ربقة العبودية، وإبطال أسباب تجدّد العبودية مع أن ذلك يخدم مقصدها. وكان ذلك التوقّفُ من أجل أن نظام المجتمعات في كل قطر قائم على نظام الرق. فكان العبيد عَمَلةً في الحقول، وخَدَمةً في المنازل والغروس، وَرُعاة في الأنعام. وكانت الإماء حلائل لسادتهن، وداياتٌ لأبنائهم. فكان الرقيق من أكبر الجماعات التي أقيم عليها النظام العائلي والاقتصادي لدى الأمم حين طرقتهم دعوة الإِسلام. فلو جاء الإِسلام بقلب ذلك النظام رأساً على عقب لانفرط عقد نظام المدنية انفراطاً، تعسَّرَ معه عودةُ انتظامه. فهذا موجب إحجام الشريعة عن إبطال الرقّ الموجود.
وأما إحجامها عن إبطال تجدّد سبب الاسترقاق الذي هو الأسر في الحروب، فلأن الأمم التي سبقت ظهور الإِسلام قد تمتّعت باسترقاق من وقع في أسرها وخضع إلى قوتها. وكان من أكبر مقاصد سياسة الإِسلام إيقافُ غُلواء تلك الأمم والانتصافُ للضعفاء من الأقوياء. وذلك ببسط جناح سلطة الإِسلام على العالم، وبانتشار أتباعه في الأقطار. فلو أن الأمم التي استقرّت لها سيادة العالم من قبلُ أمِنت عواقب الحروب الإِسلامية، وأخطرُ تلك العواقب في نفوس الأمم السائدة هو الأسر والاستعباد والسبي، لما تردّدت الأمم
= التشديد عليهم في الخدمة. ثم فيما نبه إليه من حرص على تحقيق حرية الاعتقاد والقول والعلم والتعليم والتأليف، والعمل في الإِسلام، وما وضعته الشريعة من ضوابط وأحكام لصيانة هذه المبادئ ورعايتها الرعاية اللازمة.