فحقيق بالفقهاء وولاة الأمور أن يراعوا هذه الموانع ومقاديرها وتأصَّلها، فيُعملوا آثارها في المساواة بعد تحقّق ثبوتها، ويَعلَموا ما كان منها متعلقاً تعلقاً ضعيفاً بالجبلة يقبل الزوال لحصول أضداد أسبابه، فلا ينوطوا به أحكاماً دائمة. وما كان منها خفياً حصولُه لا ينبغي مراعاته إلَّا بعد التجربة.
وأما الموانع الشرعية فهي ما كان تأثيرُها بتعيين التشريع الحق، إذ التشريع الحق لا يكون إلَّا مستَنِداً لحكمة وعلَّة معتبرة. ثم تلك الحكمةُ قد تكون جليةَ وقد تكون خفية. فالشريعة هي القدوة في تحديد هذه الموانع، وتحديد ما ينشأ عن مراعاة أصول تشريعية تَعتبر إجراءها أرجحَ من إجراء المساواة. وتُعرف هذه الأصول إمَّا بالقواعد، مثل قاعدة حفظ الأنساب في منع مساواة المرأة للرجل في إباحة تعدد الأزواج، إذ لو أبيح للمرأة لما حصل حفظُ لحاق الأنساب، ومثل قاعدة إزالة الضر، فإنها منعت مساواةَ المرأة الشريفة لغيرها من الأزواج في إلزامها بإرضاع الولد عند مالك؛ وإمّا أن تُعرف بتتبع الجزئيات المنتشرة في الشريعة مثل اعتبار شهادة المرأتين في خصوص الأموال (١).
(١) ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} البقرة: ٢٨٢. وهو مذهب جمهور الشافعية والمالكية والحنابلة. فلا تقبل شهادة النساء عندهم مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها، كالبيع والإجارة والهبة والوصية والرهن والكفالة. وهذا خلاف ما اعتمده الأحناف إذ أجازوها لهن في الحقوق المدنية كلها مالية أو غير مالية. وتقبل شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والبكارة والعيوب بالنساء. ولا تقبل شهادة النساء في الحدود عند الجمهور خلافاً لأهل الظاهر فإنها تقبل عندهم إذا كان معهن رجل =