فلا يجدر بحال أن يكون معنى صلوحية التشريع للبشر أن الناس يُحملون على اتّباع أحوال أمة خاصة مثل أحوال العرب في زمان التشريع، ولا على اتباع تفريعات الأحكام وجزئيات الأقضية المراعى فيها صلاح خاص لمن كان التشريعُ بين ظهرانيهم، سواءً لاءم ذلك أحوالَ بقية الأمم والعصور أم لم يلائم، فتكون صلوحيتهُم مشوبةً بحرج ومخالفةً ما لا يستطيع الناس الانقطاعَ عنه. وَيُعلَّل معنى الصلوحية بأن يعمل الناسُ بها في كل عصر فلا يهلكوا ولا يُعنَتوا، إذ لو كان هذا هو معنى صلوحية الشريعة لكل زمان ومكان لما كان هذا من مزايا شريعة الإسلام وخصائصها، إذ لا نجد في شريعة من الشرائع المتّبعة أحكاماً، لو حُمِل الناس عليها لهلكوا أو صاروا فوضى. إذن يكون في مستطاع أهل كل شريعة أن ينحلوا شريعتهم وصف الدوام.
فتعين أن يكون معنى صلوحية شريعة الإسلام لكل زمان أن تكون أحكامها كليات ومعاني مشتملةً على حِكَم ومصالح، صالحةً لأن تتفرع منها أحكام مختلفةُ الصور متحدةُ المقاصد. ولذلك كانت أصول التشريع الإسلامي تتجنب التفريع والتحديد كما قال الله تعالى:{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}(١) ولم يذكر ضرباً ولا رجماً.
وورد في القرآن والسنة النهي عن كثرة السؤال عن الأحكام. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا