وقال الشاطبي في المسألة الخامسة من أول كتاب المقاصد من الموافقات:"فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غَلب. فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عُرفاً. وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عُرفاً. ولذلك كان الفعلُ ذو الوجهين منسوباً إلى الجهة الراجحة فإن رجحت المصلحة فمطلوب، ويقال فيه: إنه مصلحة. وإذا غلبت جهةُ المفسدة فمهروب عنه، ويقال: إنه مفسدة، على ما جرت به العادات في مثله"(١) اهـ.
وإياك أن تتوهم من كلامهما اليأسَ من وجود النفع الخالص والضر الخالص، فإن التعاون الواقع بين شخصين هو مصلحة لهما وليس فيه أدنى ضر، وإن إحراقَ مال أحد إضرار خالص. على أننا لا نلزم فرض الأمرين في خصوص تعامل شخصين أو أكثر بل إذا صورناه في فعل الشخص الواحد نستطيع أن نكثر من أمثلته. على أن بعض المضرة قد يكون لضعفه مغفولاً عنه ممّن يلحقه، فذلك منزّلٌ منزلة العدم، مثل المضرة اللاحقة للقادر على الحمل الذي يُناول متاعاً لراكب دابة سقط منها متاعه. فإن فعله ذلك مصلحة محضة للراكب، وإن ما يعرض للمناول من العمل لا أثر له في جلب ضر إليه. وكأنّ عز الدين تصور ذلك عزيزاً، لأنه نظر إليه من جهة المعاملة بين شخصين.
وقد حام ذانك الإمامان حول تحقيق الضابط الذي به نعتبر الوصف مصلحة أو مفسدة، لكنهما لم يقعا عليه.