للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقوع فيما يشبه أحوال أهل الظاهر من الاعتبار بالتعبّد.

مثاله ما وقع لبعض الفقهاء من القول في آية القتل العمد الموجبة للقَود. فقد نُقِل عن بعضهم أنه أخذ بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء خطأٌ إلا السيف" (١).

وعندي أنه أخذ بالصفة التي كانت الغالبة على آلات القتل في الزمن الذي ورد فيه حكم القود وهي السيف. ثم ألحق بالسيف كل آلة محدّدة بطريق القياس في وصف الأصل، ثم ألحق الخنق المزهق للروح، والحرق بالنار، والذبح بالقصب بطريق القياس أيضاً. وَوَقف عند ذلك. فنَفى القصاص في القتل برمي صخرة صماء من علو على جالس تحته، والقتل بضرب الرأس بدبوس، والإغراق مكتوفاً، والتجويع أياماً متوالية. وما ذلك إلّا لأنه جعل أصله في هذا الحكم اللفظ أو الوصف دون المقصد (٢).

وأنت إذا نظرت إلى أصول الظاهرية تجدهم يوشكون أن ينفوا عن الشريعة نوط أحكامها بالحكمة، لأنهم نفوا القياس والاعتبار


(١) هو حديث النعمان بن بشير، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء خطأ إلا السيف، ولكل خطأ أرش". رواه سفيان الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عازب عنه. انظر حَم: ٤/ ٢٧٢. وبإسناد آخر حَم: ٤/ ٢٧٥؛ البيهقي. السنن الكبرى: ٨/ ٤٢ بأسانيد ثلاثة؛ الزيلعي. نصب الراية: ٤/ ٣٣٣.
وبهذا الحديث فسر بعضهم العمد في الآية، وقال: كل ما عمد الضارب إتلاف نفس المضروب فهو عمد، إذا كان الذي ضرب الأغلب منه أنه يقتل. الطبري. التفسير: ٩/ ٥٩.
(٢) المتعمد: القاصد. ويعرف التعمد بكونه فعلاً لا يفعله أحد بأحد إلا وهو قاصد إزهاق روحه بخصوصه، بما تزهق به الأرواح في متعارف الناس. ابن عاشور. التحرير والتنوير: ٥/ ١٦٣، النساء: ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>