للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا أيضاً حديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم: أنها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها. فقال لها رسول الله: "أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمّا معاوية فصعلوك" (١) لا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج برجل فقير. ولكنها استشارت رسول الله فأشار عليها بما هو أصلح لها.

٩ - وأما حال طلب حمل النفوس على الأكمل من الأحوال فذلك كثير من أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه، الراجعة إلى تكميل نفوس أصحابه، وحملِهم على ما يليق بجلال مرتبتهم في الدين، من الاتصاف بأكمل الأحوال، ممّا لو حُمل عليه جميع الأمة لكان حرجاً عليهم. وقد رأيت ذلك كثيراً في تصرّفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأيت في غفلة بعض العلماء عن هذا الحال من تصرّفاته وقوعاً في أغلاط فقهية كثيرة، وفي حمل أدلّة كثيرة من السنة على غير محاملها. وبالاهتداء إلى هذا اندفعت عنّي حيرة عظيمة في تلك المسائل.

فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه مشرعاً لهم بالخصوص. فكان يحملهم على أكمل الأحوال: من شدّ أواصر الأخوّة الإسلامية بأجلى مظاهرها، والإغضاء عن زخرف هذه الدنيا، وألّا يغال في الإقبال على الدين وفهمه، لأنهم أُعِدُّوا ليكونوا حملة هذا الدين وناشري لوائه. وقد نوّه الله تعالى بهم في آية سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ


= وحديث ابن عباس المذكور ضعيف، في إسناده سعيد بن يوسف اليمامي ضعيف. الطبراني: المعجم الكبير: ١١/ ٢٨٠، ع ١١٩٩٧؛ ابن عدي. الكامل: ٣/ ١٢١٧؛ البيهقي. الكبرى: ٦/ ١٧٧.
(١) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة. ١٨ كتاب الطلاق، ٦ باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، ح ٣٦. مَ: ٢/ ١١١٤. وله صلة بحديث: "لا يخطب المسلم على خطبة أخيه"، وما ذكر في ذلك من أحكام. انظر ٢٦ تع ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>