للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن شك في شيء فقد كذب به، فالتكذيب أولى بالآية على هذا القول.

ومما استدل به من قرأ {يَكْذِبون} بالتخفيف، أن الله عز وجل أخبر أنهم يقولون آمنا وما هم بمؤمنين فأخبر عنهم بالكذب في قولهم آمنا وتواعدهم عليه بالعذاب الأليم، فهو من الكذب أولى من أن يكون من التكذيب، إذ لم يتقدم في صدر الآية إلا الإخبار عنهم بالكذب لابالتكذيب.

والقراءتان قويتان متداخلتان حسنتان لأن المرض: الشك، ومن شك في شيء، فقد كذب به (١).

قوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم ...} (٢) قال: ومن قرأ {قُتِل} فالمعنى عند عكرمة أن القتل إخبار عما فعل بالأنبياء، وأنهم قتلوا فيمامضى وأن من كان معهم لم يضعف بعدهم ولا تضعضع. ثم أخبر عن قولهم بعد نبيهم وثباتهم على دينهم، فيكون التمام على هذا قتل وفيه بعد، لأن مابعده من صفة نبي ويكون معنى الآية: إن الله وبخ بذلك أصحاب النبي الذين ضعفوا يوم أحد، حين قيل: قتل محمد. فأخبرهم أن كثيرًا من الأنبياء قتلوا، فلم يضعف من كان معهم ليتأسوا بهم.

وقيل المعنى: أن الله أخبر أنه قد قتل مع الأنبياء ربيون كثير فما وهن من بقي ولا ضعف، ولا ذل، فيتأسى المؤمنون بهذا، فلا يضعفوا لما أصاب أصحابهم من القتل يوم أحد فلا يكون التمام على هذا {قتل}، لأن الربيين مرفوعون بقتل. والأول أحسن لأن كعب بن مالك قال: أول من عرف رسول الله أنه لم يقتل يوم أحد، أنا، رأيت عينه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي: هذا رسول الله. فأومأ إلي النبي أن اسكت، وكان قد صاح الشيطان يوم أحد: قتل محمد فانهزم المسلمون خلا قليل منهم، فأنزل الله {وكأين من نبي قتل} (٣) أي كثير من الأنبياء قتلوا، ولم يضعف من كان معه بعده ولا ذل. فكيف أردتم أيها المؤمنون أن تضعفوا حين سمعتم الشناعة بأن محمدًا قد قتل، فتأسوا أيها المؤمنون بمن كان قبلكم من أصحاب الأنبياء الربيين وعلى هذا التأويل اختار قوم من العلماء قراءة من قرأ {قتل} لأنهم عوتبوا على ضعف بعضهم لما سمعوا بقتل النبي عليه السلام ومن قرأ {قاتل} حمله


(١) الهداية ١/ ١٣.
(٢) آل عمران: ١٤٦.
(٣) آل عمران: ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>