للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طائفة قد تفقّهوا في الدّين إلى قومهم يفقّهونهم وينشرون الفقه في الآفاق ويأتي في السّنة التي بعدها طائفة غيرهم وهكذا. وأقلّ ما أقرأ الشيخ سيدي إبراهيم بن محمّد ستّين ختمة، وتفقّه به خلائق لا يحصون كثرة من جميع الآفاق، ولم يبق هذه الأيام من ذلك الذي كان إلاّ بقايا، فإنّ الطاعون جرف أكثر الفقهاء من بلاد إفريقية سنة تسع وتسعين ومائة وألف (٥٧٠)، وسبحان من لا تغيّره / الدّهور.

ثمّ إنّ سيدي إبراهيم بن محمّد إمتحن بني جلود كبار الوهبية (٥٧١)، وذلك إنه - رحمه الله - كان لحظه الباشا فاستنقذ أكثر النّاس من البدعة (٥٧٢) وأدخلهم في السّنّة، ورجع جملة من الخطب للسّنّة.

فلمّا فرغت أيّامه - رحمه الله - طلب بنو جلود أن يكونوا قيّادا على البلاد فأسعفوا بذلك لخفاء دسائسهم على الأمير، فلمّا تولّوا سعوا في الأرض ليفسدوا فيها (٥٧٣) فسعوا بسيدي إبراهيم وأظهروا باطلا في صورة حقّ وحلفوا بأيمانهم فانخدع الأمير لهم، وجعلوا على الشّيخ أموالا ثقيلة غرامة وضايقوه في استخلاصها منه، فالتجأ إلى النّاس واستلف منهم الأموال، فلمّا عجز خاف من السّجن بغضا منهم لرجال السّنّة، فكمن الشّيخ وأرسل خلف الرئيس أحمد غربال الصّفاقسي، وكان رجلا شجاعا مقداما مجاهدا لا يبالي بالرّجال بحرا ولا برّا، قلّوا أو كثروا، فلمّا حضر بين يديه كشف له الشّيخ عن حاله وما هو فيه فأخذت الرئيس أحمد حميّة السّنّة وغيرة الإسلام، فقال له: ما الذي تريد نفعله لك؟ قال: تخرج بي من هنا لصفاقس نذهب للأمير ونعتذر له ونكشف له عن تلبيسات هؤلاء الظّلمة المفترين (٥٧٤)، ونستشفع بأهل الفضل والخير، فقال له: على بركة الله، فلمّا جنّ عليه الليل التحف الشّيخ في صورة رجل من رجال البادية كي لا يعرف في الطّريق، ولمّا وصل البحر إلتحف بصورة إمرأة وحمله على ظهره ودخل به البحر لمّا جزر ماؤه، وكان دخوله من غير الإسقالة لئلاّ / يفطن به أحد، فلمّا وصل السّفينة أدخله فيها، واجتنبه النّاس لظنّهم أنّه حرمة مسافرة معهم، فأدخله في بيت في مؤخّر السّفينة وغلق عليه الباب وسافر به ولا شعور لبني جلود بذلك، فلمّا وصل


(٥٧٠) ١٧٨٥ م.
(٥٧١) الوهبية الاباضية.
(٥٧٢) يقصد مذهب الاباضية.
(٥٧٣) مستوحاة من الآية ٢٠٥ سورة البقرة.
(٥٧٤) في الأصول: «المفترون».