للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ - تَعَالَى -:

وَتِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَالْكَلَامُ فِي شَيْئَيْنِ.:

أَحَدُهُمَا: فِي كَوْنِ الْمَفْضُولِ يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ دُونَ الْفَاضِلِ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ. كَقَوْلِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ إِمَامًا عَالِمًا عَادِلًا، وَالثَّلَاثَةَ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُوسَى كَانَ رَسُولًا، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ. بِخِلَافِ مَنِ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الِاثْنَيْنِ لِلْمَنْزِلَةِ، وَلَكِنْ فَضَّلَ الْمَفْضُولَ، فَهَذَا أَقَلُّ جَهْلًا وَظُلْمًا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرْسَلِينَ يَتَفَاضَلُونَ، تَارَةً فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْهِمْ وَتَارَةً فِي الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَتَارَةً فِي الشَّرَائِعِ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَتَارَةً فِي أُمَمِهِمْ.

فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَعَدْلٌ؛ فَيَنْظُرُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ فِي مُعْجِزَاتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعْجِزَاتِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي شَرِيعَتِهِ وَشَرِيعَةِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي أُمَّتِهِ وَأُمَّةِ غَيْرِهِ وَجَدَ لَهُ مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ أَوِ الظُّلْمِ.

فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَغَيْرُهُ هُوَ النَّبِيُّ الصَّادِقُ؟ ! ..

<<  <  ج: ص:  >  >>