للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا، فَتَمْثِيلُ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى بَاطِلٌ، عَلَى قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ.

فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْجِسْمُ - فِي اللُّغَةِ - هُوَ الْمُرَكَّبُ، وَاللَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ، فَلَيْسَ بِجِسْمٍ. لَا يَقُولُونَ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ وَجْهٌ يُوَلِّيهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ، وَجَنْبٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ، وَسَمَّاهُ جِسْمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ جِسْمًا، لَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَمَنْ حَكَى عَنْهُ يُثْبِتْ لَهُ خَصَائِصَ الْأَجْسَامِ الْمُرَكَّبَةِ، فَهَؤُلَاءِ إِنْ أَطْلَقُوا مَا نَفَاهُ، فَلَا حُجَّةَ لِلنَّصَارَى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُطْلِقُوهُ، فَحُجَّتُهُمْ أَبْعَدُ.

فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى أَفْسَدِ النَّاسِ قَوْلًا فِي التَّجْسِيمِ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ النَّصَارَى: إِمَّا أَن تَعْنُوا بِلَفْظِ الْجِسْمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْجَسَدُ، وَإِمَّا أَنْ تَعْنُوا بِهِ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ، كَالْمُشَارِ إِلَيْهِ مَثَلًا.

فَإِنْ عَنَيْتُمُ الْأَوَّلَ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ نَفْيُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ جَوْهَرٌ، وَقَسَّمْتُمُ الْجَوْهَرَ إِلَى لَطِيفٍ وَكَثِيفٍ.

فَإِذَا كَانَ الْكَثِيفُ هُوَ الْجِسْمُ، وَاللَّطِيفُ جَوْهَرٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ، لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الصِّفَاتِ كَالْمَلَائِكَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>