للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ كَانَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ لَا يُسَمَّى أَحَدًا، لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَّهَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ لَهُ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا يُشَارُ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي أَحَدٍ، لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ مُمَاثَلَتِهَا.

فَهَؤُلَاءِ لَمَّا أَحْدَثُوا أَنَّ مُسَمَّى الْأَحَدِ وَالْوَاحِدِ لَا يَكُونُ مُشَارًا إِلَيْهِ، قَالُوا: وَالرَّبُّ قَدْ سَمَّى نَفْسَهُ أَحَدًا وَوَاحِدًا، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ.

وَلُغَةُ الرَّسُولِ الَّتِي خَاطَبَ بِهَا النَّاسَ لَمْ تَكُنْ مُوَافِقَةً لِمَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ اللُّغَةِ.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا: " هُوَ جِسْمٌ " غَيَّرُوا اللُّغَةَ، وَجَعَلُوا الْجِسْمَ اسْمًا لِمَا يُشَارُ إِلَيْهِ، أَوْ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَلِكُلِّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ.

ثُمَّ قَالُوا: هُوَ مَوْجُودٌ، أَوْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ مُشَارٌ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ جِسْمًا

وَلَا يُوجَدُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ الْجِسْمِ، لَا لِهَذَا، وَلَا لِهَذَا، وَلَا لِهَذَا.

وَقَالُوا: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُشَارًا إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ.

وَقَالَ أُولَئِكَ: بَلْ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ، يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ جِسْمًا، فَيَلْزَمُ أَنْ يُسَمَّى جِسْمًا، إِذَا قُلْنَا: هُوَ مُشَارٌ إِلَيْهِ، أَوْ يُرَى بِالْأَبْصَارِ، أَوْ مُتَّصِفًا بِصِفَاتٍ تَقُومُ بِهِ.

وَلَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ عَنِ اللُّغَةِ بِمُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْنُونَ بِالْجِسْمِ الْمُرَكَّبَ، بَلِ الْجِسْمُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْجَسَدُ، وَلَا يُسَمُّونَ الْهَوَاءَ جِسْمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>