للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- تَعَالَى -، إِذْ جُزْؤُهُ غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُطْلِقُ مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إِلَّا الْأَلْفَاظَ الشَّرْعِيَّةَ، فَكَمَا لَا يَقُولُ: هُوَ جِسْمٌ وَجَوْهَرٌ، لَا يَقُولُ: لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ، وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يَنْفِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهَا.

وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ يُدْخِلُ فِي ذَلِكَ مَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ، وَقَدْ يُدْخِلُ فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ.

وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ يَدَّعِي النَّظَرَ الْعَقْلِيَّ أَوِ اللُّغَوِيَّ، وَرُبَّمَا اعْتَصَمَ بَعْضُهُمْ بِمَا يَظُنُّهُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا.

وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَصِمُونَ فِي ذَلِكَ بِشَرْعٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَرْعٌ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ تَغْيِيرَ اللُّغَةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا الرَّسُولُ، ثُمَّ يَحْمِلُونَ أَلْفَاظَهُ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ اللُّغَةِ، كَمَا فَعَلَتْهُ النَّصَارَى فِي حَمْلِ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ اللُّغَةِ.

فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُسَمُّوا عِلْمَ اللَّهِ وَحَيَاتَهُ ابْنًا، وَرُوحَ قُدْسٍ، وَلَا رَبًّا، فَسَمَّى النَّصَارَى عِلْمَهُ وَحَيَاتَهُ ابْنًا، وَرُوحَ قُدُسٍ، وَرَبًّا، ثُمَّ حَمَلُوا كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ذَلِكَ.

كَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُمُ الْجَهْمِيَّةَ، أَحْدَثُوا تَسْمِيَةَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ وَنَحْوِهُمَا لِمَا لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُمَيِّزُ الْحِسُّ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>