عليهما السلام، فأخبرتَاه بما حكَمَ داود عليه السلام بذلك، فألهمه الله سبحانه ما كان محرِّكًا للرحمة والأمومية والمحَّبة والبُغْض، وهو قوله:"ائتوني بالسِّكِّين أَشُقُّه بينكما"، فقالت أمه التي هي الصغرى خوفًا على ذهاب روحه:
"لا تفعلِ" الشقَّ يا نبي الله، "فإنه ابنها"، فحكمَ به للصغرى؛ لوجودِ هذه القوينة المعينة لها، وهي الرَّأْفةُ والشَّفقةُ، واعلم أن قضاءهما حقٌّ وصدق؛ لكونهما مجتهِدَين، وكلُّ مجتهدٍ مصيبٌ.
ومستندُ قضائهما في هذه القضية نفسُ القرينة، لكنَّ القرينةَ التي حكمَ بها سليمان عليه السلام كانت أقوى من حيث الظاهرُ، فقد غلبَ على ظنه بذلك أنه ابن للصغرى، فحكمَ لها بالابن.
قال بعض الشارحين: ويحتمل أن قرائنَ الأحوالِ كانت في شرعهم بمثابة البَينة، فلهذا حكمُوا بها.
* * *
٤٤٤٨ - عَنْ أَبيْ هُريْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ سُلَيْمانُ صَلَواتُ الله عليهِ: لأَطوفَنَّ اللَّيلةَ عَلَى تِسعِيْنَ امرأةً - وفي رِوَايَةٍ: على مِئَةِ امرأةٍ - كُلُّهنَّ تَأتِي بِفارِسٍ يُجاهِدُ في سَبيلِ الله، فَقَالَ لهُ المَلَكُ: قُلْ: إنْ شاءَ الله، فلمْ يقُلْ ونَسِيَ، فَطَافَ عليهِنَّ، فلمْ تحمِلْ منهُنَّ إلَّا امْرأةٌ واحِدةٌ جَاءَتْ بشِقِّ رَجُلٍ، وايْمُ الَّذي نَفْسُ محمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ الله، لَجَاهَدُوا في سَبيْلِ الله فُرسَانًا أَجْمَعُونَ".
قوله "لأطوفَنَّ الليلة على تسعين امرأةً - وفي رواية بمئة امرأة - كلُّهن تأتي بفارسٍ يجاهد"، الحديث.
(اللامُ) في (لأطوفنَّ) جوابُ قَسَمٍ مقدَّر، تقديرُه: والله لأَطُوفَنَّ، و (الطوافُ)