ليحرم كثيرٌ من أهل البلد من ذلك المتاع مع احتياجهم إلى ذلك المتاع، فإن خالَفَ أحدٌ المنهي، وخرجَ إليهم واشترى من ذلك المتاع؛ صحَّ البيعُ بلا خلافٍ، إلا أنه مكروهٌ عند الشافعي ومالك وأحمد، وأثبت الشافعي الخيار للبائع إذا دخل البلد، وعلم أنه كذب في سعر البلد وغبنه في الثمن.
قوله:"ولا يَبعْ بعضُكم على بيعِ بعض"، وصورة هذا: أن زيدًا مَثَلاً باعَ متاعًا من عمرٍو، هما في مجلس العقد، أو بينهما خيارُ ثلاثةِ أيامٍ، فجاء بكر وقال: افسَخْ هذا البيعَ لأبيعَ منك متاعًا أجودَ من هذا بأقل من هذا الثمن، فيفسخ عمرٌو بيعَ زيدٍ، ويشتري متاعَ بكرٍ، فالفعلُ الذي فعلَه بكرٌ مُحرَّم؛ لأنه ألحقَ ضررًا بزيدٍ وآذاه، ولكن البيعَ الذي جرى بين بكرٍ وعمرٍو صحيحٌ مع الإثم.
قوله:"ولا تَنَاجَشُوا"، (التناجُش): التفاعُل من النَّجْش، وهو تنفير الصيد من موضعه، والمراد منه ها هنا: الزيادةُ على الثمن المسمَّى؛ لإغراء المشتري على أن يزيدَ هو أيضًا في الثمن.
وصورة هذا: أن عمرًا يريد أن يشتري متاعًا من زيدٍ، وذكرَ الثمنَ، ولكن لم يجرِ بينهما لفظُ العقد والإيجاب والقَبول بعدُ، فجاء بكرٌ وقال: أنا أشتري هذا المتاعَ بأكثرَ مما يشتريه عمرٌو، وليس مرادُ بكرِ من الزيادة أن يشتريَه، وإنما يريد أن يغترَّ عمرٌو بقوله ويزيدَ على ثمنه، فالفعل الذي فعلَه يكون مُحرَّمًا؛ لأنه ألحقَ ضررًا بعمرٍو؛ لأنه زادَ على الثمن، ولكن لو اغترَّ عمرٌو بقول بكرٍ، وزاد على الثمن واشترى ذلك المتاعَ صح الشِّراء بلا خلافٍ، فإنْ فعلَ بكرٌ هذا الفعلَ من غير إذن زيد لم يكن لعمرٍو خيارُ الفسخ بلا خلافٍ، وإنْ فعلَه بإذن زيدٍ فلعمرٍو خيارُ الفَسخ عند الشافعي إذا تبيَّن لعمرٍو أن زيدًا أمرَ بكرًا بالزيادة على الثمن ليُغرِّرَ عمرًا.