وعشرا، [فإنها تخرج من عدتها] لعموم هذه الآية، وأما وضع الحمل، إذ لا يصح لحامل أن تتزوج، ولا يسقي الإنسان زرع غيره، مع قوله تعالى:(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن).
وورد أيضًا في الصحيح حديث سبيعة الأسلمية، وفيها أنها "حلت بوضع الحمل من عدة الوفاة"، فينظر في تواريه هذه الظواهر كلها، فإن علم تأخير حديث سبيعة، عن آية سورة البقرة، وقلنا بإحالة تأخير البيان صار ناسخًا، فلا يؤخذ به، وإن أجزنا تأخير البيان كان مخصصا، فيصح الأخذ به، وهكذا ينظر أيضًا في تاريخ الآيتين، ليعلم من التواريخ المتأخر، فينظر هل أنت تطلب نسخًا فلا يكون إلا بقاطع، أو تخصيصا فيكون بغير قاطع، وهذا مما يكثر، ومن استبحر في مسائل الخلاف، وطرق المحاجة من أهلها ألفي من هذا كثير.
ومما يلتحق بالكلام في هذا (ص ٤٨) الباب أن تعلم فرق ما بين من يقول بالوقف، وينكر صيغ العموم، وبين من يقول بالعموم، ويقف انتظارًا للبيان، فإن هذا وقف، وهذا واقف، ولكن أحدهما يقف لأجل احتمال اللفظ، فلا ينقض وقوفه حتى يعثر على ما يبين له المراد باللفظ، فإن لم يعثر على ما يبين له المراد باللفظ فلا متمسك له بذلك اللفظ، والآخر وهو القائل بالعموم المجوز لتأخير البيان يقف ترقبا ورود مخصص فإن يئس منه تمسك، فشتان بين متمسك بالعروة حتى لا تزال يده منها، وبين من يتلطف التوصل للتمسك بها.
وأما الوجه الثاني وهو نقل المذاهب في تأخير البيان، فاعلم أن الخطاب إذا ورد، ومست الحاجة إلى امتثاله وإنفاذه، فإن الاتفاق قد حصل من أهل المذاهب على أن البيان لا يتأخر حينئذ، لأنه لو تأخر في هذه الصورة، وكلف المكلف القصد إلى من لم يعلمه مراده، ولا فعل له دليلا عليه، كان هذا تكليف ما لا يطاق، وقد حصل الإطباق على أنه لا يقع هاهنا، وإن اختلف في تجويز ورود الشرع به، على حسب ما تقدم فيما قبل.
والمعتزلة يلتفتون مع هذه النكتة إلى طريق ثانية في الإحالة وهي النظر في الاصطلاح، والتقبيح والتحسين العقلي، وذلك أصل لا نساعدهم عليه.
وأما تأخير البيان على وقت الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الامتثال، فإن المنقول فيه ستة أقوال:
من الناس من ذهب إلى إجازة ذلك على الإطلاق، وبه قال الشافعي، وأكثر أصحابه، والأقل من أصحاب أبي حنيفة، ومن أصحابنا ابن بكير، وأبو الفرج، وابن خويز منداد، وحذاق المتكلمين من أصحابنا.