قال المغيرة: فحمدت الله، وأثنيت عليه، وقلت: والله، ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا، وأشد الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولا، فوعدنا النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة، فلم نزل نتعرف من ربنا مذ جاءنا رسوله صَلى الله عَليه وسَلم الفلج والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا، لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم، أو نقتل في أرضكم، فقال: أما الأعور فقد صدقكم الذي في نفسه، فقمت من عنده، وقد والله أرعبت العلج جهدي، فأرسل إلينا العلج: إما أن تعبروا إلينا بنهاوند، وإما أن نعبر إليكم، فقال النعمان: اعبروا، فعبرنا.
قال أبي: فلم أر كاليوم قط، إن العلوج يجيؤون كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم إلى بعض، حتى كان سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم، وقالوا: من فر منا عقره حسك الحديد، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم فشلا، إن عدونا يتركون أن يتتاموا، فلا يعجلوا، أما والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به.
قال: وكان النعمان رجلا بكاء، فقال: قد كان الله، جل وعلا، يشهدك أمثالها فلا يخزيك، ولا يعري موقفك، وإنه والله ما منعني أن أناجزهم إلا لشيء
⦗١٥٨⦘
شهدته من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم كان إذا غزا، فلم يقاتل أول النهار، لم يعجل حتى تحضر الصلوات، وتهب الأرواح، ويطيب القتال.
ثم قال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وأهله، ثم اختم لي على إثر ذلك بالشهادة، ثم قال: أمنوا يرحمكم الله، فأمنا، وبكى وبكينا.