عليه أن "إلى" و"عند" مختلفا المعنى في اللغة، ويجب أن يكونا مختلفين في الحكم في الشرع.
والثاني: وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي أن جمع الشافعي بين عند رأس الهلال، وإلى رأس الهلال صحيح، وإن كليهما في البر والحنث واحد، وأن رأس الهلال وقت البر فيهما، وأن ما قبله وما بعده وقت الحنث فيهما، لأن لفظة "إلى" قد تستعمل للحد تارة وللماقربة تارة كما قال تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢] أي: مع الله، {وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]، أي: مع المرافق، فلما احتمل أن تكون للحد تارة، وللمقاربة أخرى، صار الحنث في جعلها للحد مشكوكًا فيه، وفي جعلها للمقاربة متيقنًا، فحنث باليقين دون الشك، وفرق أبو إسحاق ومن تابعه، بين قوله إلى رأس الشهر، فيكون للمقاربة، وبين قوله: إلى رمضان فيكون للحد بأن رأس الشهر معين للقضاء، فغلب حكم الوقت على حكم اللفظ فحمل على المقاربة، ورمضان غير معين للقضاء، لأنه ليس جميعه وقتًا له، فغلب حكم اللفظ على حكم الوقت فحمل على الحد.
والثالث: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن الشافعي جمع بين "عند" و"إلى" في الحنث، وفرق بينهما في البر، فإذا قال عند رأس الشهر لم يبر إلا بدفعه مع رأس الشهر وإذا قال: إلى رأس الشهر بر بدفعه في وقته، وإلى عند رأس الشهر، لأنه عند لم توضع إلا للمقاربة، وإلى قد وصفت للمقاربة تارة، وللحد آخر: فاجتمع فيهما حكم المقاربة وحكم الحد فوجب أن يتعلق بهما الحكمان معًا فصار الأجل ذلك مجتمعين في الحنث إن لم يقضه حتى جاء رأس الشهر حنث، ومفترقين في البر إن قضاه في قوله: إلى رأس الشهر قبل الشهر بر، وإن قضاه في قوله: عند رأس الشهر قبل الشهر لم يبر والله أعلم.
قال في الحاوي: أما الحين من الزمان فجمعهم لا حد له في الشرع عندنا، وحده أبو حنيفة بستة أشهر، وحده مالك بسنة، فإذا حلف ليقضينه حقه إلى حين لم يحنث على مذهب الشافعي إلا بفوات القضاء بموته أو موت صاحب الحق.
وقال أبو حنيفة: إن قضاه في ستة أشهر بر، وإن قضاه بعدها حنث، وقال مالك: إن قضاه إلى ستة بر، وإن قضاه بعدها حنث، واستدلالنا على ذلك بقول الله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}[إبراهيم: ٢٥] فقدره أبو حنيفة بستة أشهر، لأنها في