وأما المسألة الثانية المتفق عليها، فهي أن يحلف ليقضينه حقه إلى رمضان، فجعل رمضان غاية واحدًا، لأنه علقه بحرف وضع للغاية والحرف هو "آلي" فيكون زمان بره، من وقت يمينه إلى أول جزء من ليلة رمضان كما قال تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] فكان زمان الصيام إلى أول جزء من أجزاء الليل فإن لم يقضه حقه حتى دخل أول جزء من ليلة رمضان حنث ويجيء على مذهب مالك أنه لا يحنث إلا بانقضاء يوم وليلة منه، فإن شرع في قضاء الحق قبل رمضان وكمله في رمضان لطول زمانه بر، لأن الشروع في القضاء كالقضاء، فإن أخر القضاء في ليلة شك في دخول رمضان، ثم بان أنها من رمضان، ففي حنثه قولان كالناسي والمكره، فإن قال: أردت بقولي إلى رمضان أي: في رمضان، دين في الباطن لاحتمال ما أراد لأنها حروف تقام بعضها مقام بعض كقول الله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[طه: ٧١] أي: عليها فأما في ظاهر الحكم فيحنث إذا تعلق بيمينه حق آدمي من طلاق أو عتاق اعتبارًا بحقيقة اللفظ دون مجازه، فإن حلف لأقضينك حقك عند رمضان لم يبر بقضائه قبل رمضان، لأن كلمة عند موضوعة للمقاربة، فإذا أهل رمضان احتمل ما يعتبر في بره وجهين:
أحدهما: يعتبر بإمكان القضاء عند دخوله، فإن أخره حنث كما لو قال عند رأس الشهر.
والثاني: يكون جميع الشهر وقتًا للبر، لأنه لم يعين على جزء منه، فصار حكم آخره كحكم أوله.
فصل
وأما المسألة الثالثة: المختلف فيها، فهو أن يحلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال، أو إلى رأس الهلال، فالذي نقله المزني فيها عن الشافعي أنه جمع بين قوله: إلى رأس الهلال، وبين قوله: عند رأس الهلال في أنه يحنث برؤية الهلال، ليكون زمان البر فيها بين وقتي حنث بتقدم أحدهما على رأس الهلال ويتأخر الآخر عنه، وجمع المزني بين قوله إلى رأس الهلال، وإلى رمضان في أن زمان البر من وقت يمينه، وإلى رأس الهلال، كما كان في وقت يمينه إلى رمضان، واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الصحيح أن الأمر على ما قاله المزني من اختلاف الحكم بين قوله: عند رأس الهلال، في أن وقت البر يكون مع رؤية الهلال بين زماني حنث، وقوله: عند رأس الهلال، أن البر من وقت يمينه وإلى رؤية الهلال، فيكون رؤية الهلال وقتًا لحنثه، ورؤيته في قوله: عند رأس الهلال وقتًا لبره لأن لفظه "إلى" موضوعة في اللغة للحد والغاية، ولفظة: عند موضوعة للمقاربة، فاختلف حكمهما لاختلاف موضوعهما، كما اختلف حكم قوله: إلى رأس الهلال، والشافعي عادة أن يجمع بين مسألتي يعطف بالجواب عليهما، فيريد به إحداهما اكتفاء بما عرف من مذهبه في الأخرى ولم يخف