للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" إنما هو ركضة من ركضات الشيطان": فأصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها، يريد به الإضرار والإفساد، كما تركض الدابة وتضرب برجلها، ومعناه: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقًا إلى التلبس عليها في أمر دينها، فصار في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته، وإضافة النسيان في هذا على فعل الشيطان، كهو في قوله تعالى: {َأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ} [يوسف:٤٢].

وقد روى أصحابنا في المستحاضة الناسية للوقت المتحيرة في أمرها: أن حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة، وروت زينب بنت أبي سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي. وروت عائشة-رضي الله عنها- أن سهلة بنت سُهيل استحيضت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب [٢٧٢ أ/١] والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح. والشافعي-رحمه الله- لا يقول بهذا الجمع، فإذا تقرر هذا، بيني كل واحدة منهن ويذكر حكمها.

فالمميزة: هي التي لا إعادة لها، هي المبتدأة ترى الدم ثم يتصل بها وينفصل بعضه عن بعض ما يقع التمييز به، وذلك يكون بلون وريح ورقة. فاللون يكون الأول أسود، ثم يتغير إلى الحمرة. قال الشافعي: يكون أسود محتدمًا وأرد بالمحتدم: الحار كأنه محترق. يقال: احتدم النهار إذا اشتد حره. وأما الريح: يكون الأول رائحة، ثم تزول. وأما الرقة: أن يكون الأول ثخينًا، ثم يرق فيصفر أو يشرق، فإذا تميز شيء من هذا، فإنما يتعلق حكم التمييز إذا اجتمع شرطان: أحدهما: أن لا يزيد الأسود أو الأحمر على أكثر الحيض.

والثاني: أن لا ينتقص عن أقل الحيض؛ لأنه إذا زاد على أكثر الحيض لا يجوز أن يجعل جميع الأسود حيضًا. وإذا نقص عن اليوم والليلة لا يجوز أن يكون حيضًا. فإذا وجد هذان الشرطان رددناها على الدم السود، وجعلناه حيضًا، وقضت ما زاد عليه من الصلوات هذا في الشهر الأول. فأما في الشهر الثاني تترك الصلاة في الدم الأول، فإذا تغير وصار بعد السواد أحمر تغتسل وتصلى ولا تنتظر إلى آخر [٢٧٢ ب/١] خمسة عشر، وإنما تنتظر في الشهر الأول فقط إلى خمسة عشر لتنظر هل ينقطع لتمام الخمسة عشر أو يختلط به دم الاستحاضة. فأما الشهر الثاني فقد حكمنا بأنها مستحاضة وعرفت أمر نفسها فلا تؤخر الصلاة.

وأما المعتادة التي لا تمييز لها: هي أن يكون لها عادة مستقرة في كل شهر، فلما كان في هذا الشهر اتصل الدم وزاد على العادة على لون واحد، وقول الشافعي: وكان مشتبهًا إلى لون الدم مشتبهًا شبه بعضه بعضَا، فإنها تؤخر الصلاة حتى تنظر، فإن انقطع لخمسة عشر فما دونها فهو حيض، وإن عبر خمسة عشر فهي مستحاضة تغتسل حين عبر، ثم تقضي ما بعد العادة، وتقعد في كل شهر بعد الأول عن الصلاة في أيام

<<  <  ج: ص:  >  >>