ثلاثة أحوالٍ؛ إما أن يفلس قبل مضي شيء من المدة، أو بعد انقضاء المدة، أو في أثنائها، فإن كان قبل انقضاء شيء منها أخذ الأرض صاحبها ولا كلام، وإن اختار الإقامة على العقد أقام وضرب مع الغرماء بالأجرة، وإن كان في أثناء المدة فهو بالخيار بين أن يفسخ فيما بقي أو يقيم على العقد، فإن أقام عليه ضرب مع الغرماء بالأجرة، وإن فسخ عاد إلى عين ماله وضرب مع الغرماء بماله من الأجرة فيما مضى، فإذا فسخ وكانت الأرض فارغة فلا كلام، وإن كانت مزروعة لا يخلو إما أن يكون له قيمة أو لا قيمة له، فإن كان له قيمة بأن كان قصيلًا لا يخلو المفلس والغرماء من ثلاثة أحوال؛ إما أن يختاروا القلع أو التبقية أو اختلفوا، فإن اختاروا القلع قلعوا ولا كلام، وإن اختاروا التبقية لم يخل من أحد أمرين؛ إما أن يبذلوا أجرة المثل أو يمنعوا، فإن بذلوا أجرة المثل لزم المكري القبول وليس له مطالبتهم، بالقطع، لأنهه زرع بحق، وإن أراد المكري أن يعطيهم قيمة الزرع ليكون له مع الأرض لم يجبروا عليه؛ لأن اللزرع غاية إذا انتهى إليها حصده، وإن طلبوا التبقية بغير أجرة [ق ٣٠٨ أ] لم يكن ذلك لهم؛ لأن المفلس دخل على أن المنفعة له بأجرة وليس له أن يستوفيها بغير أجرة ويفارق هذا إذا باع أرضًا فزرعها المشتري، ثم أفلس بالثمن ففسخ البائع البيع لا يجوز له مطالبتهم بقلع الزرع ولا أجرة عليهم؛ لأن المستأجر دخل على أن تكون المنافع مضمونة عليه بعوضٍ فلزمه الضمان، وليس كذلك المشتري، ولأن منافع الإجارة مقصودة لأنها هي المعقود عليها والمنافع تابعة في البيع فافترقا، وإن اختلفوا فقال بعضهم: أريد القلع والباقون امتنعوا منه فالمذهب أنَّا نقدم من طلب القطع. وقال أبو إسحاق: نعمل على الأحظ، وإن قال الغرماء: لا نفسخ عقد الإجارة حتى يعطيك الأجرة المسماة لم يجبر على قبولها، فإن قيل: ما الفرق بين الأجرة المسماة وبين أجرة المثل؟ قلنا: الفرق أن الأجرة المسماة مستحقة بالعقد، فإذا أجبرناه على قبولها لم نأمن التبعة فيها على ما بينَّاه إذا بذل البائع الثمن لم يجبر على قبوله، وليس كذلك أجرة المثل بعد فسخ العقد لأنها مبذولة لمصلحة مال المفلس، وهي تبقية الزرع فأمن فيه التبعة، لأنه لو ظهر هناك غيرهم من الغرماء لم يكن لنقصه، وجرى ذلك مجرى كراء البيت والحمال ونحو ذلك، وإذا لم يكن [ق ٣٠٨ ب] له قيمة لصغره نظر، فإن اتفقوا على التبقية فالحكم على ما ذكرنا، وإن اختلفوا قدمنا قول من طلب التبقية ههنا، لأنهلا فائدة في قطعه بوجه والشافعي يسميه بعلًا هذا كله إذا لم يقبض من الأجرة شيئًا، فإن كان قد قبض بعض الأجرة، ثم أفلس بالباقي فهل له فسخ العقد؟ قولان: كما إذا قبض بعض الثمن. وإذا بذل المفلس أجرة مثل الأرض فأجبرنا المكري على تبقية الزرع فيها إلى أن يحصد فعطش الزرع واحتاج إلى السقي، فإن كان له ماء أنفق منه عليه؛ لأن فيه مصلحة المال المفلس الذي تعود منفعته على سائر الغرماء.
وقال بعض أصحابنا: لا ينفق عليه من مال المفلس، لأنه تغرير به، فإنَّا لا نعلم أن الزرع يسلم أو لا يسلم، ونقول للغرماء إن تبرعتم وأنفقتم من مالكم على أن يكون دينًا