للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنه دَخَلَ فِي بَابِ السَّلامَةِ حَتَّى يَسْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَوائقه. وَفِي الْحَدِيثِ:

المُسْلِمُ أَخو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ أَسْلَمَ فلانٌ فُلَانًا إِذا أَلقاه فِي الهَلَكَة وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عدوِّه، وَهُوَ عامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ إِلى شَيْءٍ، لَكِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الإِلقاء فِي الهَلَكَةِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِني وَهَبْتُ لِخَالَتِي غُلَامًا فَقُلْتُ لَهَا: لَا تُسْلِميه حَجَّاماً وَلَا صَائِغًا وَلَا قَصَّاباً

أَي لَا تُعْطِيهِ لِمَنْ يعلِّمه إِحدى هَذِهِ الصَّنَائِعِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنما كَرِهَ الحَجَّامَ والقَصَّاب لأَجل النَّجَاسَةِ الَّتِي يُبَاشِرَانِهَا مَعَ تَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ، وأَما الصَّائِغُ فِيمَا يَدْخُلُ صَنْعَتَهُ مِنَ الْغِشِّ، ولأَنه يَصُوغُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَهُ آنيةٌ أَو حَلْيٌ لِلرِّجَالِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَلِكَثْرَةِ الْوَعْدِ وَالْكَذِبِ فِي نُجَازِ مَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَانٌ، قِيلَ: وَمَعَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَعانني عَلَيْهِ فأَسْلَمَ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

حَتَّى أَسْلَم

أَي انْقَادَ وكَفَّ عَنْ وَسْوَسَتي، وَقِيلَ: دَخَلَ فِي الإِسْلام فَسَلِمْتُ مِنْ شَرِّهِ، وَقِيلَ: إِنما هُوَ فأَسْلَمُ، بِضَمِّ الْمِيمِ، عَلَى أَنه فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَي أَسْلَمُ أَنا مِنْهُ وَمِنْ شَرِّهِ، وَيَشْهَدُ للأَول الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

كَانَ شيطانُ آدَمَ كَافِرًا وَشَيْطَانِيِّ مُسْلِماً.

وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا

، قَالَ الأَزهري: فإِن هَذَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلى تَفَهُّمِهِ لِيَعْلَمُوا أَين يَنْفَصِلُ الْمُؤْمِنُ مِنَ المُسْلِمِ وأَين يَسْتَوِيَانِ، فالإِسلامُ إِظهار الخُضُوعِ والقَبُول لِمَا أَتى بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ يُحْقَنُ الدمُ، فإِن كَانَ مَعَ ذَلِكَ الإِظهار اعْتِقَادٌ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ فَذَلِكَ الإِيمان الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، فأَما مَنْ أَظْهَرَ قَبُولَ الشَّريعة واسْتَسْلَمَ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمٌ وَبَاطِنُهُ غَيْرُ مُصَدِّقٍ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ أَسلمت، لأَن الإِيمان لَا بُدَّ مِنْ أَن يَكُونَ صَاحِبُهُ صِدِّيقاً، لأَن الإِيمان التَّصْديقُ: فَالْمُؤْمِنُ مُبْطِنٌ مِنَ التَّصْدِيقِ مِثْلَ مَا يُظْهِرُ، والمُسْلِمُ التَّامُّ الإِسْلامِ مُظْهِرٌ لِلطَّاعَةِ مُؤْمِنٌ بِهَا، والمُسْلِمُ الَّذِي أَظهر الإِسلام تَعَوّذاً غَيْرُ مُؤْمِنٍ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَن حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ حُكْمُ المُسْلِمِ، قَالَ: وإِنما قُلْتُ إِن الْمُؤْمِنَ مَعْنَاهُ المُصَدِّقُ لأَن الإِيمان مأْخوذ مِنَ الأَمانَة، لأَن اللَّه تَعَالَى تَوَلَّى عِلْم السَّرائر وثَبات العَقْدِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ أَمانة ائْتَمَنَ كلَّ مُسْلِمٍ عَلَى تِلْكَ الأَمانة، فَمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ مَا أَظهره لسانُه فَقَدْ أَدَّى الأَمانة وَاسْتَوْجَبَ كَرِيمَ الْمَآبِ إِذا مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ عَلَى خِلَافِ مَا أَظهر بِلِسَانِهِ فَقَدْ حَمَلَ وِزْرَ الْخِيَانَةِ واللَّه حَسْبُهُ، وإِنما قِيلَ للمُصَدِّق مُؤْمِنٌ وَقَدْ آمَنَ لأَنه دَخَلَ فِي حَدِّ الأَمانة الَّتِي ائْتَمَنَهُ اللَّه عَلَيْهَا، وَبِالنِّيَّةِ تَنْفَصِلُ الأَعمال الزَّاكِيَةُ مِنَ الأَعمال الْبَائِرَةِ، أَلا تَرَى أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَ الصَّلَاةَ إِيمانا وَالْوُضُوءَ إِيمانا؟ وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ

، يَعْنِي مِنْ قَوْمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي مؤمِني زمانِه، فإِن ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وإِن كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَ يَقُولُ إِذا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْني مِنْ رَمَضَانَ وسَلِّم رمضانَ لِي وَسُلِّمْهُ مِنِّي

، قَوْلُهُ سَلِّمْني مِنْهُ أَي لَا يُصِيبُنِي فِيهِ مَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَوْمِهِ مِنْ مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ وسَلِّمْهُ لِي هُوَ أَن لا يُغَمَّ عليه الهلالُ فِي أَوله وَآخِرِهِ فيلتبسَ عَلَيْهِ الصومُ والفطرُ، وقوله وسَلِّمْهُ مِنِّي أَي بِالْعِصْمَةِ مِنَ الْمَعَاصِي فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ:

وَكَانَ عَليٌّ مُسَلَّماً فِي شأْنها

أَي سالِما لَمْ يَبْدُ بِشَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>