ودخل من الموصل على طريق الجزائر إلى الكوفة فسمع من الحسن بن علي بن عفان العامري وأحمد بن عبد الجبار العطاردي وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، ثم دخل بغداد سنة تسع وستين بعد وفاة سعدان بن نصر ومحمد بن سعيد بن غالب فسمع المسند من العباس بن محمد الدوري والمبسوط من محمد بن إسحاق الصغاني والتاريخ من الدوري وسمع من محمد بن سنان القزاز، والعلل من عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعلل علي بن المديني من حنبل بن إسحاق، ثم انصرف إلى خراسان وهو ابن ثلاثين سنة وهو محدث كبير، ثم ذكر الحاكم في وفاته: خرج علينا أبو العباس محمد بن يعقوب ﵀ ونحن في مسجده وقد امتلأت السكة من أولها إلى آخرها من الناس وهو عشية يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الأول من سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وكان يملي عشية كل اثنين من أصوله مما ليس في الفوائد أحاديث فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء من كل فج عميق وقد قاموا يطرقون له ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده فلما بلغ المسجد جلس على جدار المسجد وبكى طويلاً ثم نظر إلى المستملي فقال: أكتب! سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول سمعت أبا سعيد الأشج يقول سمعت عبد الله بن إدريس يقول: أتيت يوماً باب الأعمش بعد موته فدفعت الباب فقيل: من هذا؟ فقال: ابن إدريس، فأجابتني امرأة يقال لها بره: هاي هاي يا عبد الله بن إدريس! ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير ثم قال: كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحد منكم فإني لا أسمع وقد ضعف البصر وحان الرحيل وانقضى الأجل. فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة وانصرف الغرباء إلى أوطانهم ورجع أمر أبي العباس إلى أنه كان يناول قلماً فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويقرأ الأحاديث التي كان يحفظها وهي أربعة عشر حديثاً وسبع حكايات وصار بأسوأ حال إلى شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين، فتوفي أبو العباس ﵀ ليلة الاثنين، ودفن عشية الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وثلاثمائة [فغسله أبو عمرو بن مطر، وشهدت جنازته بشاه هنبر فتقدم أبو عمرو بن مطر للصلاة عليه ودفن في مقبرة شاه هنبر. ورئي في المنام فقيل: إلى ما ذا انتهى حالك أيها الشيخ؟ فقال: انا مع أبى يعقوب البويطي والربيع بن سليمان في جوار أبى عبد اللَّه الشافعيّ نحضر كل يوم ضيافته.
قال الحاكم: وحضرت أبا العباس يوما في مسجده فخرج ليؤذن لصلاة العصر فوقف موضع المئذنة ثم قال بصوت عال: انا الربيع بن سليمان انا الشافعيّ، ثم ضحك وضحك الناس ثم أذن] [*]
ومن القدماء أبو علقمة عبد الله بن عيسى الفروي الأصم من أهل المدينة، يروي عن ابن نافع ومطرف بن عبد الله الأصم العجائب ويقلب على الثقات الأخبار، روى عنه محمد بن المنذر الهروي شكر. وعقبة بن عبد الله الأصم من أهل البصرة، يروي عن عطاء وابن بريدة، روى عنه الهيثم بن خارجة والعراقيون، كان ممن يتفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير حتى إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع. وكثير بن حمير الأصم، شيخ يروي عن الشاميين ما لم يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، يروي عن سالم أبي المهاجر، روى عنه موسى بن أيوب. واشتهر بهذا الاسم اثنان: واحد من الصوفية، والآخر من المحدثين، أما المحدث
[*] تعليق الشاملة: ما بين المعكوفين سقط من المطبوع، وهو ثابت في ط الهندية، وط أمين دمج (وقد صرح المعتني أنه اعتمد عليها في إخراج الكتاب)