للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ليس هذا المعنى مغنيًا عن الحكم بطريق التجوز ليقال: ليس حمل الحكم على هذا المعني بطريق التجوز أولى من حمل الأمر على الشيء بطريق التجوز، لأن الحكم إذا أضيف إلى القول الصادر من الحاكم كان معناه ما ذكرنا، وإذا أضيف إلى القول الصادر من المحكوم عليه، كان معناه أنه وجه نحوه وألزم به إصداره عنه، كما إذا أضيف إلى الفعل من الجانبين، وحينئذ يصير معنى الآية إذا وجه الله ورسوله أمرًا إلى المكلفين، فإنه لا خيرة لهم في ذلك الأمر، وإنما أضاف الأمر إليهم، لأنه تخصيص لهم، والمصدر كما يضاف إلى الفاعل، يضاف إلى المفعول أيضًا، ولا حاجة إلى صرف الأمر الثاني إلى المأمور به لما قيل: بأنه لو حمل على حقيقته، وهو القول المخصوص لصار معنى الآية أنه لا خيرة للمأمورين في صفة الله تعالى، وذلك كلام غير مفيد.

ولما قيل: بأن الخيرة إنما تتعلق بالفعل لا بالخطاب المكلف، لأنا لا نسلم أن انتفاء / (١٣٥/ب) الخيرة عن الأمر معناه ما ذكر، ولا نسلم بأن الخيرة إنما تتعلق "بالفعل لا بالخطاب"، وهذا لأن انتفاء الخيرة عن الأمر، معناه أنه لابد من امتثاله، وليس هو مخير بين امتثاله وعدم امتثاله، وهذا المعني معقول في نفس الأمر فلا حاجة إلى صرفه إلى المأمور به، وأيضًا فإنه يرد على ذلك التقدير أن يقال: إن الذهن يتبادر إلى اتحاد معني الأمرين، فإذا كان المراد من الأمر الثاني: هو المأمور به، وجب أن يكون هو المراد بعينه من الأمر الأول، وإن كان مجازًا فيه، وإذا انتفت الخيرة عن الأمر بالمعني المتقدم ذكره تعين أن يكون للوجوب وهو المطلوب، وبما ذكرنا من تفسير القضاء والحكم، يعرف سقوط الاعتراض الذي نذكر في هذا المقام. وهو أنا نسلم أن الله تعالى ورسوله إذا قضى أمرًا يكون الأمر ملزمًا.

فلم قلت: إن مجرد الأمر يكون ملزمًا؟. والنزاع إنما هو فيه بل ظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>