أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ لَك الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيَّ بِالزِّنَا شَهَادَةً تُلْزِمُنِي فَحُدَّنِي وَإِنْ كَانَتْ لَا تُلْزِمُنِي فَلَا تُحَلِّفْنِي وَحُدَّهُ لِي.
وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي أَرْبَعَةٍ لَوْ شَهِدُوا عَلَيَّ وَكَانُوا عُدُولًا حَدَدْتَنِي وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ حَدَدْتهمْ أَوْ عَبِيدًا أَوْ مُشْرِكِينَ حَدَدْتهمْ قَالَ أَقُولُ حُكْمُك وَحُكْمُ الزَّوْجِ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِ الشُّهُودِ عَلَيْك غَيْرَ الزَّوْجِ، قُلْت فَقَالَتْ لَك فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةً لَا تُوجِبُ عَلَيَّ حَدًّا فَامْتَنَعْت مِنْ أَنْ أَشْهَدَ لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لَا تَحْبِسُ إلَّا بِحَقٍّ؟ قَالَ أَقُولُ حَبَسْتُك لِتَحْلِفِي قَالَتْ وَلِيَمِينِي مَعْنًى؟ قَالَ نَعَمْ تَخْرُجِينَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَالْحَبْسُ هُوَ الْحَدُّ؟ قَالَ لَيْسَ بِهِ قُلْت فَقَالَتْ فَلِمَ تَحْبِسُنِي لِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَ لِلْحَدِّ حَبَسْتُك قَالَتْ فَتُقِيمُهُ عَلَيَّ فَأَقِمْهُ قَالَ لَا قُلْت فَإِنْ قَالَتْ فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ لَا أَنْتَ أَخَذْت مِنِّي حَدًّا وَلَا مَنَعْت عَنِّي حَبْسًا فَمِنْ أَيْنَ وَجَدْت عَلَيَّ الْحَبْسَ أَتَجِدُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ قِيَاسٍ؟ قَالَ أَمَّا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ فَلَا وَأَمَّا قِيَاسٌ فَنَعَمْ قُلْت أَوْجِدْنَا الْقِيَاسَ قَالَ إنِّي أَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ يَحْلِفُ وَيُبَرَّأُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَقْتُلْهُ وَحَبَسْته.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقُلْت لَهُ أَوَيَقْبَلُ مِنْك الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَلَا أَثَرٍ؟ قَالَ لَا قُلْت فَمَنْ قَالَ لَك مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَمٌ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَيُبَرَّأُ أَمْ يُقِرَّ فَيُقْتَلُ؟ قَالَ أَسْتَحْسِنُهُ، قُلْت لَهُ أَفَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْك مَا اسْتَحْسَنْت إنْ خَالَفْت الْقِيَاسَ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَبِلُوا مِنْ غَيْرِك مِثْلَ مَا قَبِلُوا مِنْك لِأَنَّ أَجْهَلَ النَّاسِ لَوْ اعْتَرَضَ فَسَأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَخَرَصَ فِيهِ فَقَالَ لَمْ يُعَدَّ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَازِمًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَا أَوْ خَارِجًا مِنْهُ فَيَكُونُ اسْتَحْسَنَهُ كَمَا اسْتَحْسَنْته أَنْتَ قَالَ مَا ذَلِكَ لِأَحَدٍ قُلْت فَقَدْ قُلْته فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفْت فِيهِ الْكِتَابَ وَقِيَاسَ قَوْلِك قَالَ وَأَيْنَ خَالَفْت قِيَاسَ قَوْلِي؟ قُلْت مَا تَقُولُ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ إلَى أَيِّ غَايَةٍ شَاءَ مِنْ الدَّعْوَى أَوْ غَصْبَ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ جُرْحًا فِي مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكُلُّ مَنْ جَعَلْت عَلَيْهِ الْيَمِينَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قَامَ النُّكُولُ فِي الْحُكْمِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَأَعْطَيْت بِهِ الْقَوَدَ وَالْمَالَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت وَلِمَ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي النَّفْسِ هَكَذَا؟ قَالَ لِي اسْتِعْظَامًا لِلنَّفْسِ قُلْت فَأَنْتَ تَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَيْنِ وَتَشُقُّ الرَّأْسَ قِصَاصًا وَهَذَا يَكُونُ مِنْهُ التَّلَفُ بِالنُّكُولِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَلَا تَأْخُذُ بِهِ النَّفْسَ قَالَ أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ النَّفْسَ وَقَدْ تَفَرَّقَ فِيهِ صَاحِبَايَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَحْبِسُهُ كَمَا قُلْت وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَحْبِسُهُ وَآخُذُ مِنْهُ دِيَةً وَحَبْسُهُ ظُلْمٌ قُلْت وَأَخْذُ الدِّيَةِ مِنْهُ فِي أَصْلِ قَوْلِ صَاحِبِك ظُلْمٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ لَا تُؤْخَذُ فِي الْعَمْدِ إلَّا بِصُلْحٍ وَهَذَا لَمْ يُصَالِحْ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَاك أَخْطَآ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ فَأَقْرَرْت عَلَيْهِمَا مَعًا بِتَرْكِ الْقِيَاسِ فَتَقِيسُ عَلَى أَصْلٍ خَطَأٍ ثُمَّ تَقِيسُ عَلَيْهِ مَا لَا يُشْبِهُهُ مَا قَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ نَصًّا يَدْرَأُ بِهِ الْعَذَابَ وَالدَّرْءُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا قَدْ وَجَبَ.
وَإِنْ قُلْت الْعَذَابُ السِّجْنُ فَذَاكَ أَخْطَأُ لَك أَمَا السِّجْنُ حَدٌّ هُوَ؟ فَإِنْ كَانَ حَدًّا فَكَمْ تَحْبِسُهَا؟ أَمِائَةُ يَوْمٍ أَوْ إلَى أَنْ تَمُوتَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؟ قَالَ مَا السِّجْنُ بِحَدٍّ وَمَا السِّجْنُ إلَّا لِتَبْيِينِ الْحَدِّ قُلْت وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَفَتَرَاهُ عَنَى بِعَذَابِهِمَا الْحَدَّ أَوْ الْحَبْسَ؟ قَالَ بَلْ الْحَدَّ وَلَيْسَ السِّجْنُ بِحَدٍّ وَالْعَذَابُ فِي الزِّنَا الْحُدُودُ وَلَكِنَّ السِّجْنَ قَدْ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قُلْت وَالسَّفَرُ اسْمُ عَذَابٍ وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute