لأن الثاني يجعل كأنه فعل من غير اختيار فرارا من اللوم وشين التغيب، فإنه في العرف يعد لوما ويعير على ذلك بأن يأتيه إنسان وهو لا يقدم إليه الطعام، ولا كذلك في مسألتنا فإنه لا يعد من اللوم فافترقا من هذا الوجه.
(ولا فعله جزاء لإتيان نفسه)؛ لأنه لا يصلح مكافيا لنفسه؛ لأن المكافئ غير المكافي، ولهذا لأن الجزاء الخير بطريق المكافأة إنما يفعل لكي يكون ذلك داعيا ومحرضا إلى ذلك الفعل الذي صار ذلك الفعل سببا لوجود مثل هذا الجزاء الحسن الذي يحصل من الغير بطريق الشكر لفعله والمكافأة، وذلك إنما يصح له من الغير لا من نفسه لنفسه؛ لأن ذلك مطلق العنان كامل الاختيار فيتمكن من الإقدام على إحراز المحاسن التي يتيسر من غير أن يجازي الجزاء الحسن نفسه لنفسه.
فلذلك حمل على العطف المحض لا على المجازاة، ثم بحمل الجزاء المذكور في الكتاب على الجزاء الحسن الذي يحصل من الغير بطريق الشكر يخرج الجواب عن شبهة يقولونها بأن فعل الإنسان يصلح جزاء لفعل نفسه.
ألا ترى أن أداء المثل فعل نفسه في كفارة الحج في قتل الصيد الذي هو فعل نفسه أيضا، وكذلك سجدة السهو في صلاته، وكذلك ضمان إتلاف مال الغير كل ذلك فعل منه صلح جزاء لفعل نفسه.