وليس لدينا وصف دقيق لدمشق العتيقة، بل إن يوليان الذي امتدح موقع المدينة وعماراتها في عبارات تنم عن الدهشة لم يذكر لنا شيئًا مفصلا عنها. ونكاد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن خطة المدينة العامة ظلت قرونا على الحال التي لقيها عليها الفتح العربي، وقد مرت قبيل ذلك بمحن وشدائد نزلت بها من جراء الفتح الفارسي، ولكن هذا لم يحدث تغييرا جوهريا في شكلها. والحق أن أسوار المدينة ومعالمها الأساسية لم تتبدل منذ الفتح الإِسلامى، ومعظم السبب في هذه الظاهرة العجيبة راجع إلى موقع دمشق الطبيعى، ذلك أنها تقع عند مفرق الطريق الذي يخترق قلب سورية من الشمال إلى الجنوب، ويعبر نهر بردى الذي يجرى من الشرق إلى الغرب، ومن ثم انتظمت على هذا النحو طرقات المدينة، وقد أبرز هذه السمة المعبد الضخم المعقد الرباعى (معبد الشَّمس؟ ) الذي شيد فيه تيودوسيوس أو أركاديوس كنيسة القديس يوحنا.
ويجب أن ننظر إلى المدينة على أنها ظلت منذ العهد الرومانى على صورتها الراهنة مستطيلا ممتدا على ضفة بردى اليمنى (جنوبا) يقطع معظم طوله طريق لا يزال يعرفه الأجانب باسم الطريق المستقيم (تأويلا للآية ١١ من الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل) وفي الشمال المعبد الكبير الذي يعد سرة المدينة بحق. وقد يرجع إلى العصور القديمة أَيضًا تأسيس القلعة التي في ركنها الشمالى الغربى، ولسنا نعرف أين كانت مخازن الأسلحة التي شيدها دقلديانوس، بل إن أبواب المدينة، وكانت موجودة قبل الفتح العربي، لا تزال باقية إلى الآن. ويذكر البلاذرى (عن الواقدى) في حديثه عن حصار دمشق هذه الأبواب مبتدئًا بالباب الشرقى، وهو على الطرف الشرقى للطريق الكبير، ثم باب توما وباب الفراديس على الجانب الشمالى. ثم باب الجابية في الغرب عند نهاية الطريق الممتد طولا، والباب الصغير وباب كيسان في الجنوب.