ثمة توافق مشهود بين القائد وتابعه، ذلك أنه عندما ناقش آخرون (ومنهم عمر الذى كان لا ينفصل عن أبى بكر) محمدا قراره الأخذ بالسلم فى الحديبية والعدول عن حصار الطائف، بذل له أبو بكر كل ما يملك من عون قلبى عن طيب خاطر، وكان أول من عرف الغرض الحقيق للحملة التى غزت مكة سنة ٨ هـ (٦٣٠ م)، وبعبارة أخرى فلقد كان الناصح الأول لمحمد، ولم تكن له قط إمارة حربية مفردة غير إمارته لجماعة صغيرة كانت فرقة من حملة أكبر فى سنة ٦ هـ - ٦٢٧ م) ثم إمارته لبعثة أقل عددا ضد قبيلة هوزان سنة ٧ هـ (٦٢٨ م). وفي سنة ٨ هـ (٦٢٩ م) عمل هو وعمر تحت قيادة أبى عبيدة، ومن الراجح أن هذا كان لتذليل عقبات سياسية. وكان فى تعيينه لقيادة الحج فى السنة التاسعة بعد الهجرة، وفى إمامته لجمهور المصلين فى المدينة أثناء مرض النبى الأخير وغير ذلك من دلائل على مكانة أبى بكر، كان هذا كله يشير إلى أنه هو من سيخاف النبى.
٣ - خلافته: ١١ - ١٣ هـ (٦٣٢ - ٦٣٤ م).
كان يوم موت محمد (ص)(١٣ من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة = ٨ يونيه سنة ٦٣٢ م) يوما حرجا للدولة الإسلامية الفتية، فقد اجتمع الأنصار لاختيار قائد من بين أنفسهم، غير أن عمر وآخرين أقنعوهم بقبول أبى بكر، وتلقب بخليفة رسول الله، وبعد وقت قصير انتقل الى منزل وسط المدينة.
وخلافته التى جاوزت السنتين بقليل شغل معظمها بشئون الردة، وهذه الظاهرة كما يدل الاسم الذى سماها به موْرخو العرب، كانت تعد فى نظرهم حركة تقوم اساسا على الدين, غير أن العلماء المحدثين من الأوربيين لاسيما فلهوزن (und Vorarbeiten- Wellhausen Skizzen، جـ ٦، برلين سنة ١٨٩٩. ص ٧ - ٣٧) وكايتانى (Annali: Caetani del'Islam جـ ٢، ص ٥٤٩ - ٨٣١) قد دللا على أنها كانت فى جوهرها حركة سياسية، والأكثر رجحانا أنها كانت قد أصبحت مركزا لنظام اجتماعى سياسى كان الدين جزءا له كيانه الذاتى فيه، وعلى توالى الأيام كان حتما أن تكون