٤ - ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من كثير من أئمة القوم يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحات، والشطح لفظة مأخوذة من الحركة يقال يشطح إذا تحرك، وهو عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته وهاج لشدة غليانه وغلبته، فهي حركة أسرار الواجدين إذا قوى وجدهم فعبروا عن وجدهم بعبارات يستغربها سامعها، ومن ذلك ما يروى عن أبي يزيد البسطامى المتوفى سنة ٢٦١ هـ (٨٧٥ م) أنه قال: "رفعنى مرة فأقامنى بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقى يحبون أن يروك، فقلت: "زينى بوحدانيتك، وألبسنى أنانيتك، وارفعنى إلى أحديتك حتى إذا رآنى خلقك قالوا رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك".
وحكى عنه أيضًا أنه قال: "أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيرًا جسمه من الأحدية وجناحاه من الديمومة، فلم أزل أطير في هواء الكيفية عشر سنين حتى صرت إلى هواء مثل ذلك مائة ألف ألف مرة، فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية فرأيت فيها شجرة الأحدية" ثم وصف أرضها وفرعها وأغصانها وثمارها، ثم قال: فنظرت فعلمت أن هذا كله خدعة.
ولابن عربي:
عقد الخلائق في الإله عقائدًا ... وأنا أعتقد جميع ما اعتقدوه
والغلاة من متأخرى المتصوفة المتكلمين بالمواجد خلطوا مسائل الكلام والفلسفة الإلهية بفنهم، مثل كلامهم في النبوات والاتحاد والحلول ووحدة الوجود.
ولما كانت حكمة الإشراق أو الحكمة الذوقية هي من الفلسفة بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية، وكان السالكون طريقة الرياضة والمجاهدة لمعرفة المبدأ والمعاد إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية وإلا فهم الحكماء الإشراقيون.
لما كان الأمر كذلك سهل التدانى بين التصوف والفلسفة، وتفتحت له الأبواب في هذا الدور.