أصدق القائلين، وما جاء فى الكتاب أو السنة مما قد يوهم خلاف ذلك يجب إرجاعه إلى بقية الآيات وسائر الآثار حتى ينطبق الجميع على ما هدت إليه البديهيات السابق إيرادها وعلى ما يليق بكمال الله وبالغ حكمته وجليل عظمته. والأصل الذى يرجع إليه كل وارد فى هذا الباب قوله تعالى الآيات ١٦ - ١٨ سورة الأنبياء {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.
وقوله {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أى لصدر عن ذاتنا المتفردة بالكمال المطلق الذى لا يشوبه نقص وهو محال و"إن" فى قوله "إن كنا فاعلين" نافية، وهو نتيجة القياس السابق. بقى أن الناظرين فى هذه الحقائق ينقسمون إلى قسمين: فمنهم من يطلب علمها لأنه شهوة العقل وفيه لذته، فهذا القسم يسمى المعانى بأسمائها ولا يبالى جوز الشرع إطلاقها فى جانب الله أم لم يجوز فيسمى الحكمة غاية وغرضاً وعلة غائيّة ورعاية للمصلحة وليس من رأيه أن يجعل لقلمه عناناً يرده عن إطلاق اسم متى صح عنده معناه، وقد يعبر بالواجب عليه بدل الواجب له غير مبال بما يوهمه اللفظ. ومنهم من يطلب علمها مع مراعاة أن ذلك دين يتعبد به واعتقاد بشؤون لإله عظيم يعبد بالتحميد والتعظيم ويجب الاحتياط فى تنزيهه حتى بعفة اللسان عن النطق بما يوهم نقصاً فى جانبه فيتبرأ من تلك الألفاظ مفردها ومركبها فإن الوجوب عليه يوهم التكليف والإلزام وبعبارة أخرى يوهم القهر والتأثر بالأغيار ورعاية المصلحة توهم إعمال النظر وإجالة الفكر وهما من لوازم النقص فى العلم والغاية والعلة الغائيّة والغرض توهم حركة فى نفس الفاعل من قبل البدء فى العمل إلى نهايته وفيها ما فى سوابقها ولكن الله أكبر.
* * *
وثمة للغزالى فى كتابه "الإحياء" كلمة جامعة تكاد تلخص هذا كله، بقوله: