للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بابين لا بابًا واحدًا. ورجحنا أن يكون قد وقع من نساخ شرح المرزوقي، لا من المرزوقي نفسه، وأتينا بالأدلة على هذا الترجيح. وعرجنا بالبحث بعد ذلك إلى اختيار القطع في هذه الأبواب، فلاحظنا خللًا فيها نجم عن رواية بعض الشعر في باب لا يدخل في حده، وذهبنا إلى أن هذا الخلل لا يمكن تعليله باختلاف نسخ الحماسة وروايتها، وإنما أبو تمام هو وحده المسؤول عنه، وإن ذلك وقع منه بسببين أحدهما: أن أغراض الشعر لم تكن قد تبلورت بعد في عصره بالصورة التي نراها اليوم فهو رائد في تصنيف الشعر تحت هذه الأبواب. والثاني أنه كان يراعي في الباب الواحد مشاكله القطع في بعض المعاني، وإن خرجت عن الحد الذي يقوم عليه الباب.

وانتقلنا بعد هذا لمقياس الاختيار عنده، وانتهينا إلى أنه مقياس جمالي فني جعله يختار بعض الشعر من شعر الشاعر ويترك بعضه الآخر، وإن هذا المقياس كان وفق المعايير النقدية التي انتهى إليها العلماء النقاد للجيد من الشعر في ذلك الزمن، ولاحظنا أنه بالرغم من أن الكثرة الغالبة من شعر الاختيار لم تخرج عن حد الجودة فإن بعض الشعر الذي ضمه الاختيار لم يسلم من انتقاد بعض المتأدبين من الكتاب مثل ابن العميد وضياء الدين بن الأثير. كذلك تعرضنا بالمناقشة إلى ما رآه علي النجدي ناصف أن أبا تمام قد أسقط باب الاعتذار من اختياره، وتمنيه لو أنه كان قد أسقط باب الملح وجاء بالاعتذار بدلًا منه معتمدًا في هذا التمني على أن الاعتذار فن كريم القول وان الملح فيها كثير من الخنا والتصريح بالعوراء، وبينا أنه بتمنيه هذا يريد من أبي تمام أن يأخذ بالمقياس الأخلاقي، وهو أمر لم يرده أبو تمام ولا رمي إليه من اختياره.

ثم عرضنا بعد ذلك إلى شعراء الحماسة فلاحظنا أن أبا تمام قد عني في اختياره بالشعراء المقلين والمجهولين، وأكدنا أن غايته من هذا هي أن الشعراء المكثرين أو المعروفين قد تداول الناس دواوينهم قبل عصره واهتمت بهم كتب الاختيارات، كما لاحظنا أنه قد اختار لشعراء جاهليين وإسلاميين وأمويين وعباسيين، غير أن كثرتهم كانت من الجاهلين أو المخضرمين، ومن هنا كانت أهمية الاختيار بالنسبة لعلماء

<<  <   >  >>