للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يعلم أن المرزوقي قد عنى بقوله بعض المتأخرين ابن جني معاصره.

إننا لا ننكر أن الشراح الأوائل قد قدموا خدمات جليلة لديوان الحماسة وفق معطياتهم، ووفق الظروف الثقافيّة والعلمية التي كانت محيطة بهم، ولكن إغفال الشاعر والانصراف عنه إلى مسائل لغوية ونحوية وإخبارية، وترك مراميه ومقاصده، وإبراز عواطفه وخطه النفسي في بنائه الشعري، والوقوف عند خصائصه ومميزاته أمر كان ينبغي التنبه له في عملية تحليل الشعر وشرحه، لأن فصل الشاعر عن شعره لا يعطي القارئ الدارس الصورة الكليّة التي ينبغي أن يخرج بها من قراءته لتحليل النص. ولهذا رأينا عددًا من العلماء في عصرنا هذا الحديث ممن اشتغل بالحماسة يحاولون إعادة شرحها من جديد، فعل ذلك الشيخ سيد علي المرصفي في سنة ١٩١٢ م، حين أخرج للقراء الجزء الأول من كتابه ((أسرار الحماسة)) وقال في مقدمته، مشيرًا إلى صنيع الشراح الأوائل في اختيار الحماسة: (ولست في تفسير معانيه وبيان مغازيه متبعًا لقوم مدوا أيديهم على ذلك الديوان بالكتابة، وظنوا أنهم فوقوا سهام الصواب، وقد أخطؤوا غرض الإصابة، فكثيرًا ما يخلطون في أوضاع اللغة ولا ينتبهون، ويخلطون في بيان ما تقصده أدباء الشعر وما يشعرون، ملؤوا كتبهم ببضاعة الإعراب والبناء، وتحقيق ما نحاه ابن خروف أو انتحاه الفراء)).

وفعل ذلك أيضًا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي أشرنا إلى أنه كان يدرس لطلابه بجامع الزيتونة شرح المرزوقي على ديوان الحماسة، ثم عدل عن ذلك فاصطنع للديوان شرحًا من تأليفه. وفعل نحوًا من هذا الأستاذ علي النجدي ناصف حين ذيّل دراسته لحماسة أبي تمام بتحليل قطع منها نحا فيها منحى المرصفي في جعله عناوين للقطع التي حللها، وسلك في تحليله مسلكًا مغايرًا لمسلك المرصفي، ومسلك كل الذين لهم في الحماسة عمل. إنه مسلك أشبه بالتحليل

<<  <   >  >>