الأسوةُ الحسنةُ، ولأنه عون على الغُسْلِ، وأما الوُضوءُ بعدَ الغُسْلِ فلا وجهَ له عند أهلِ العلمِ)) (الاستذكار ٣/ ٥٩)، وبنحوه في (التمهيد ٢٢/ ٩٣).
ثانيًا: ذَكَرَ ابنُ رجبٍ اختلافَ الرُّواة في محل تَخليلِ الشَّعرِ: أَقبلَ إفراغ الماء، أم بعده؟ ثُمَّ قال:((وفي الجملةِ؛ فهذا ثابتٌ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه خَلَّلَ شَعرَهُ بالماءِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ المَاءَ عَلَى شَعرِ رَأْسِهِ.
فكان التَّخْلِيلُ أولًا لغسلِ بشرة الرَّأْسِ، وصَبُّ الماءِ ثلاثًا بَعْدَهُ لغَسْلِ الشَّعرِ، هذا هو الذي يدلُّ عليه مجموعُ ألفاظِ هذا الحديثِ. وقال القرطبيُّ: إنما فَعَلَ ذلك ليسهل دخول الماء إلى أصولِ الشَّعرِ ... قلتُ: قولُ عائشةَ: ((حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))؛ يَرُدُّ هذا كُلَّه، ويُبَيِّنُ أنَّ التَّخْلِيلَ كانَ لغَسْلِ بَشرةِ الرَّأْسِ، وتبويب البخاريِّ يَشْهَدُ لذلكَ-أيضًا-، وهذه سنةٌ عظيمةٌ من سُننِ غُسْلِ الجَنَابَةِ، ثابتةٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم ينتبه لها أكثر الفقهاء، مع توسعهم للقولِ في سُننِ الغُسْلِ وأدائه.
ولم أَرَ مَن صَرَّحَ به منهم، إلَّا صاحب (المغني) من أصحابنا، وأَخَذَهُ من عُمومِ قولِ أحمدَ: الغُسْلُ على حَديثِ عائشةَ ...
وكلام أكثرهم، يَدُلُّ على أنَّ المغْتَسِلَ يَتَوضَّأُ، ثم يَصُبُّ على رَأْسِهِ الماءَ ثَلاثًا، ويُخَلِّلُ أصولَ الشَّعرِ مع ذلك. وقد وُجِدَ في كلامِ الأئمةِ؛ كسفيانَ، وأحمدَ، وإسحاقَ، ما يَدُلُّ على ذلك.
واتِّبَاعُ السُّنَّةِ الصحيحةِ التي ليس لها معارض أولى)) (فتح الباري ١/ ٣١٠ - ٣١٢).
[التخريج]:
[خ ٢٤٨ (واللفظ له)، ٢٦٢ (مختصرًا)، ٢٧٢ (والزيادة الثانية