ومنها الرحلة، فقد يرحل أحد الراويين إلى بلد لم يرحل إليه الآخر، فيأخذ عن شيوخه، أو يأخذ عنه أهل ذلك البلد.
ومنها التفاوت في السن، فالراويان وإن جمعتهما طبقة واحدة واشتركا في بعض الشيوخ قد يكون أحدهما أسنّ من الآخر، فيدرك شيوخا لم يدركهم، وقد يُعَمَّر أحدهما فيأخذ عنه جماعة لم يدركوا الآخر.
ولكل هذه الأسباب أمثلة كثيرة.
وقد قام الأئمة بجهد كبير جدا في تتبع شيوخ الراوي، والآخذين عنه، والتقاط ذلك من الأسانيد المتفرقة، ويوجد شيء كثير من ذلك في الكتب الأولى، كتب السؤالات، والتواريخ، ثم لما جاء التصنيف المخصص للرواة اهتموا بذلك أيضا، كما نلاحظه في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"تاريخ بغداد" للخطيب، وغيرهما، فبعد أن يذكر المؤلف اسم الراوي وكنيته ونسبته يعقبه بذكر من روى عنه المترجم له، ومن روى عن المترجم له، على سبيل التمثيل في المكثرين من الرواية، وعلى سبيل الاستقصاء في المقلين منهم.
ولا يختلف اثنان على أن أوفى من جمع شيوخ الراوي والآخذين عنه هو المِزِّي، في كتابه "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، يعني رجال أصحاب الكتب الستة، وقد بنى كتابه هذا على كتاب عبد الغني المقدسي:"الكمال في أسماء الرجال"، فيذكر المِزِّي شيوخ المترجم له بعد عبارة (روى عن)، وتلاميذه بعد عبارة (روى عنه)، مرتبا كل قسم على حروف المعجم.