ويجاب عن هذا الاعتراض بأننا إنما نحتاج إلى النص على من ينتقي شيوخه، وهؤلاء عددهم قليل ولا شك، إذ يلزم له أن يكون الراوي ناقدا، وأن لا يكون مع ذلك متسامحا في التحديث عن الضعفاء والمتروكين والمجاهيل، كما في قول عمرو بن علي الفلَّاس المتقدم أول هذا المبحث بعد سرده لمن رووا عن إسماعيل بن مسلم المكي:"إنما يحدث عنه من لا ينظر في الرجال".
أما النوع الآخر -وهم الذين لا ينتقون- فالنص عليهم نستفيد منه التأكيد، وإلا فكل من لم يُنص عليه فإنه يعامل معاملتهم حتى يثبت عكس ذلك.
وما يسلكه بعض الباحثين من النظر في شيوخ الراوي بواسطة كتاب:"تهذيب الكمال" ثم تصنيف الراوي على ضوء هذا النظر- أرى أنه يمكن الاعتماد عليه في تأييد الأصل السابق، وهو أن الراوي لا ينتقي شيوخه، وأما عكسه فهو حكم يستند على دليل ناقص، فالمِزِّي لم يستوعب، ثم كثير من شيوخ الراوي أو تلاميذه لا يذكرهم في ترجمته، اكتفاء بذكره هو في تراجمهم، كما سيأتي شرح ذلك في الفصل الرابع (تمييز رواة الإسناد).
الأمر الثاني: قد يوجد اختلاف عن النقاد في وصف راو هل هو ممن ينتقى شيوخه، أو هو ممن يحدث عن كل أحد؟ فقد عدّ عمرو بن علي الفلَّاس إسماعيل بن أبي خالد فيمن لا ينظر في الرجال كما تقدم في أول المبحث، أما العجلي فقال فيه:"كان لا يروي إلا عن ثقة"(١).